كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

فخلا معها في بعض الطريق حتى فرغت من حاجتها.
ولا ريب أن هذا كله من كثرة تواضعه -صلى الله عليه وسلم.
وقال عبد الله بن أبي الحمساء -بالحاء المهملة المفتوحة والميم الساكنة وبالسين المهملة في آخره وهمزة ممدودة: بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يبعث، وبقيت له بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت, فذكرته بعد ثلاث, فإذا هو في مكانه, فقال: "لقد شققت علي، أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك" رواه أبو داود.
وقال عبد الله بن أبي أوفى: كان -عليه الصلاة والسلام- لا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة. رواه النسائي.
__________
محرمًا لجميع النساء، قال بعض: وفيه إيماء وإرشاد إلى أنه لا يخلو أجنبي مع أجنبية، بل إذا عرضت حاجة يكون معها بموضع لا يتطرق فيه تهمة، ولا يظن به ريبة؛ لكونه بطريق المارة, وفيه حل الجلوس في الطريق لحاجة، وموضع النهي من يؤذي، أو يتأذَّى بقعوده فيها، وأنه ينبغي للحاكم المبادرة إلى تحصيل غرض أولي الحاجات، ولا يتساهل في ذلك "ولا ريب أن هذا كله من كثرة تواضعه -صلى الله عليه وسلم" لبروزه للناس، وقربه، وصبره على المشاق لأجل غيره خصوصًا، امرأة في عقلها شيء.
"وقال عبد الله بن أبي الحمساء -بالحاء المهملة المفتوحة، والميم الساكنة، وبالسين المهملة في آخره، وهمزة ممدودة- العامري, سكن البصرة، وقيل: إنه ابن أبي الجدعاء، قال في الإصابة: والراجح أنه غيره، "بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم" أي: بعت له شيئًا "قبل أن يبعث، وبقيت له" أي: لذلك المبيع "بقية" لم تسلم له، "فوعدته أن آتيه بها في مكانه" أي: في مكان وقع فيه البيع؛ "فنسيت" الوعد، فذكرته بعد ثلاث" أي: أيام، ولم يقل ثلاثة لحذف المعدود، فيجوز تذكيره مع المذكور، وتأنيثه مع المؤنث، فجئته "فإذا هو" مستقر "في مكانه" لم يفارقه، "فقال:" "يا فتى، لقد شققت علي، أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك" ففيه وفاؤه بعهده، ووعد من قبل البعثة، "رواه أبو داود" منفردًا به عن الكتب الستة؛ وأخرجه البزار من طريق عبد الكريم بن عبد الله بن سفيان، عن أبيه، عن ابن أبي الحمساء، "وقال عبد الله بن أوفى" -بفتح الهمزة، والفاء، بينهما واو ساكنة- واسمه علقمة، صحابي، ابن صحابي، "كان -عليه الصلاة والسلام- لا يأنف" لا يستكبر، "أن يمشي مع الأرملة" المرأة التي لا زوج لها؛ "والمسكين" بكسر الميم، لغة جميع العرب، إلّا بني أسد، فبفتحها من السكون؛ لسكونه إلى الناس، "فيضي له الحاجة، رواه النسائي".

الصفحة 52