كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

سجوده حتى نزل الحسن، فلمَّا فرغ, قال له بعض أصحابه: يا رسول الله, قد أطلت سجودك. قال: "إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله". أيّ جعلني كالراحلة فركب على ظهري.
وكان -عليه الصلاة والسلام- يعود المرضى، ويشهد الجنازة. أخرجه الترمذي في الشمائل.
وحجَّ -عليه الصلاة والسلام- على رحل رثٍّ وعليه قطيفة لا يساوي أربعة دراهم.........
__________
سجودك! قال: "إن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله"، أي: جعلني كالراحلة، فركب على ظهري".
"وكان -عليه الصلاة والسلام- يعود المرضى" الشريف، والوضيع، والحر، والعبد، حتى عاد غلامًا يهوديًّا كان يخدمه، فقعد عند رأسه، فقال له: "أسلم" فنظر إلى أبيه، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه من النار" رواه البخاري عن أنس، وعاد عمَّه أبا طالب، وهو مشرك، وعرض عليه الإسلام، وقصته في الصحيحين، وعدت العيادة تواضعًا مع أن فيها رضا الله، وحيازة الثواب، ففي الترمذي، وحسَّنه مرفوعًا، "من عاد مريضًا ناداه مناد، طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلًا"، ولأبي داود: "من توضأ، فأحسن الوضوء، وعاد أخاه المسلم محتسبًا, بُوعِدَ من جهنم سبعين خريفًا" إلى غير ذلك، لما فيها من خروج الإنسان عن مقتضى جاهه، وتنزهه عن مرتبته إلى ما دون ذلك، "ويشهد الجنازة" أي: يحضرها للصلاة عليها، هبها لشريف أو وضيع، فيتأكد التأسي به، وآثر قوم العزلة، ففاتهم خير كثير، "أخرجه الترمذي في الشمائل" من حديث أنس، "وحجَّ -عليه الصلاة والسلام- كما رواه ابن ماجه، والترمذي في الشمائل، والبيهقي عن أنس، قال: حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم "على رحل" بالفتح، أي: راكبًا عليه، وهو للجمل، كالسرج للفرس، "رث" بمثلثة، بالٍ خَلِق، "وعليه" أي: على الرحل، كما هو أنسب بالسياق، ويؤيده قوله في رواية أخرى، على رحل وقطيفة، فأفادت أن ضمير عليه ليس للمصطفى، "قطيفة" كساء خمل، "لا يساوي" أي: لا يسع ثمنها "أربعة دراهم", وفي رواية: كنا نرى ثمنها أربعة دراهم، قال المصنف: وفيه مسامحة، والتحقيق أنها لا تساويها، كما في هذه الرواية، وزعم تعدد القصة ممنوع؛ إذ لم يحج إلا مرة واحدة، انتهى.
وذلك لأنه في أعظم مواطن التواضع؛ إذ الحج حالة تجرد وإقلاع، وخروج من الموطن

الصفحة 54