كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
أخرجه أحمد وصححه ابن حبان، وعند مسلم في حديث دعاه الافتتاح: واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
ولما اجتمع فيه -صلى الله عليه وسلم- من صفات الكمال ما لا يحيط به جدولًا يحصره عد، أثنى الله تعالى عليه في كتابه الكريم فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ، وكلمة "على" للاستعلاء, فدلَّ اللفظ على أنه مستعلٍ على هذه الأخلاق ومستولٍ عليها.
والخلق: ملكة نفسانية يسهل على المتَّصِف بها الإتيان بالأفعال الجميلة
__________
يريد طلب الكمال، وإتمام النعمة عليه، بإكمال دينه، وأن يكون طلب المزيد والثبات على ما كان "أخرجه أحمد، وصححه ابن حبان" من حديث عبد الله بن مسعود، ورواته ثقات.
قال شيخنا: ففيه دليل على أن حسن الخلق قد يتجدَّد ويحصل، بعد أن لم يكن، وقال غيره: تمسك به من قال: حسن الخلق غريزي لا مكتسب. والمختار أن أصول الأخلاق غرائز، والتفاوت في الثمرات، وهو الذي به التكليف، "وعند مسلم في حديث: دعاء الافتتاح، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت" وهو يدل أيضًا على أنها قد تكتسب، "ولما اجتمع فيه -صلى الله عليه وسلم- من صفات الكمال ما لا يحيط به جدولًا، يحصره عدَّ أثنى الله تعالى عليه في كتابه الكريم، فقال مقسمًا: {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ، مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ، وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ، "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] الآية" لتحمُّلك من قومك ما لا يتحمَّله أمثالك، وقالت عائشة: ما كان أحد أحسن خلقًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من أصحابه، ولا من أهل بيته إلّا قال: "لبيك"، فلذلك، أنزل الله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم/ 4] الآية، رواه ابن مردويه، وأبو نعيم بسند واهٍ، "وكلمة على للاستعلاء، فدلَّ اللفظ على أنه مستعلٍ على هذه الأخلاق ومستول عليها" أي: متمكِّن من الجري على مقتضاها، ببذل المعروف، واحتمال الأذى، وعدم الانتقام، فأشبه في تمكُّنه من ذلك المستعلي على الشيء المستقر عليه, فهو استعارة تبعية لجريانها في الحرف، "والخلق ملكة نفسانية، يسهل على المتَّصف بها الإتيان بالأفعال الجميلة" كأنَّ هذا تعريف للخلق الحسن، المرضي شرعًا وعرفًا، فلا يشكل بأن الخلق قد يكون حسنًا، وقد يكون قبيحًا، ولذا جاء ذم الخلق في أحاديث كثيرة، ولذا اعترض عليه بأن هذا التعريف ليس بصواب؛ إذ الناشئ عن الجبلَّة يكون جميلًا تارة، وقبيحًا أخرى، وما ذكره إنما هو تعريف للخلق الحسن لا لمطلق الخلق، فكأنه لم يقف على قول الراغب حد الخلق حال للإنسان، داعية إلى الفعل من غير فكر ولا روية، ولا قول
الصفحة 6
568