كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: "زهير باديتنا، ونحن حاضرته"، وكان -صلى الله عليه وسلم- يحبه، فمشى -صلى الله عليه وسلم- يومًا إلى السوق فوجده قائمًا، فجاء من قبل ظهره وضمَّه بيده إلى صدره, فأحس زهير بأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال: فجعلت أمسح ظهري في صدره رجاء بركته.
وفي رواية الترمذي في الشمائل: فاحتضنه من خلفه ولا يبصره، فقال أرسلني، من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم, فجعل لا يألوا ما ألصق ظهره بصدر النبي -صلى الله عليه وسلم- حين عرفه، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من يشتري..............
__________
على البدل، "وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: "زهير باديتنا" أي: ساكنها، وإذا تذكرناها سكن قلبنا برؤيته، أو نستفيد منه ما يستفيده الرجل من باديته من أنواع الثمار، وصنوف النبات، فكأنه صار باديتنا، وإذا احتجنا متاع البادية جاء به لنا، فأغنانا عن السفر إليها، فالتاء على هذه الوجوه للتأنيث؛ لأنه الأصل، ويحتمل أن التاء للمبالغة، أي: بادينا، كما ورد، كذلك، قيل، وهو أظهر، أو المراد حقيقتها التي هي خلاف الحاضرة، ويحتمل أنه من إطلاق اسم المحل، وهو البادية على الحال، وهو ساكنها، "ونحن حاضرته" أي: يصل إليه منا ما يحتاج إليه، مما في الحاضرة، أو لا يقصد بمجيئه إلى الحضر إلا مخالطتنا، وتوقّف بعض في الأول؛ بأن المنعم لا يليق به ذكر إنعامه، منع؛ بأنه ليس من ذكر المنّ بالأنعام في شيء، بل إرشاد إلى مقابلة الهدية بمثلها، أو أفضل.
"وكان -صلى الله عليه وسلم- يحبه، فمشى -صلى الله عليه وسلم- يومًا إلى السوق" لحاجته، لا لمحبته، فهو توطئة لقوله: "فوجده قائمًا" يبيع متاعه، "فجاءه من قِبَل" بكسر ففتح، جهة "ظهره" تفريع على قوله يحبه، "وضمَّه بيده إلى صدره، فأحسَّ زهير بأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم" أي: أدرك ذلك بطريق من الطرق، "قال: فجعلت أمسح ظهري في صدره رجاء"، حصول "بركته، وفي رواية الترمذي في الشمائل" من طريق ثابت عن أنس؛ أن رجلًا من أهل البادية كان اسمه زاهرًا، وكان يهدي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- هدية من البادية، فيجهزه النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يخرج، فقال -صلى الله عليه وسلم: "إن زاهرًا باديتنا، ونحن حاضروه"؛ وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحبه، وكان رجلًا دميمًا، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم، وهو يبيع متاعه، "فاحتضنه" أي: أدخله في حضنه، وهو ما دون الإبط إلى الكشح بزنة فِلس، ما بين الحاضرة إلى الضلع "من خلفه" أي: جاء من ورائه، وأدخل يده تحت إبطي زاهر، فاعتنقه، "ولا يبصره" جملة حالية، "فقال: أرسلني من هذا" أي: خلني، وأطلقني، "فالتفتّ" سقط من بعض نسخ الشمائل، "فعرف النبي" القياس، فعرف أنه النبي "صلى الله عليه وسلم، فجعل، لا يألوا" لا يترك، ولا يقصر، "ما" مصدرية، "ألصق ظهره" أي: لا يقصر في إلصاق ظهره، "بصدر النبي -صلى الله عليه وسلم" تبركًا، وتلذذًا، وتحصيلًا لثمرات ذلك الإلصاق، من الكمالات الناشئة عنه "حين عرفه" كرره اهتمامًا بشأنه، وإيماء إلى أن منشأ هذا الإلصاق ليس إلا معرفته، "فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: