كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

ولا يقول إلا حقًّا. كما روى أبو هريرة، وقد قال له رجل كان فيه بله: يا رسول الله احملني، فباسطه -عليه الصلاة والسلام- من القول بما عساه أن يكون شفاءً لبلهه بعد ذلك، فقال: "أحملك على ابن الناقة". فسبق لخاطره استصغار ما تصدق عليه البنوة, فقال: يا رسول الله، ما عسى أن يغني عني ابن الناقة، فقال -صلى الله عليه وسلم: "ويحك, وهل يلد الجمل إلا الناقة"، روى الحديث الترمذي وأبو داود.
وباسط عمته صفية..........
__________
ومجرد لهو ولعب مجرد، وهو في مزاحه صادق، كما قال: "ولا يقول إلّا حقًّا" فلا ينافي الكمال حينئذ، بل هو من توابعه وتتماته، لجريه على القانون الشرعي، فمن زعم تناقض الحديثين من الفرق الزائغة فقد ضلَّ، "كما روى أبو هريرة" قال: قالوا يا رسول الله: إنك تداعبنا، قال: "إني لا أقول إلا حقًّا" أخرجه الترمذي وغيره. "وقد قال له رجل كان فيه بله" أي: عدم اهتمام بأمر الدنيا، وتأمَّل في معاني الألفاظ، حتى حمل الكلام على المتبادر، من أن المراد بالبنوة الصغير، فليس صفة ذم هن، فهو كقوله في الحديث: "أكثر أهل الجنة البلة" أي: في أمر الدنيا لقلة اهتمامهم بها، وهم أكياس في أمر الآخرة، وللبلة إطلاقات، منها هذا، وعدم التمييز، وضعف العقل، والحمق؛ وسلامة الصدر، ولكل مقام مقال، "يا رسول الله احملني" على دابة، "فباسطه -عليه الصلاة والسلام- من القول: بما" أي: شيء "عساه أن يكون شفاء لبلهه بعد ذلك" والظن، بل الجزم أنه حصل له الشفاء بتلك المداعبة، "فقال: "أحملك" خبر مبتدأ محذوف، أي أنا أحملك، بدليل رواية الترمذي، وأبي داود: إني حاملك "على ابن الناقة، فسبق لخاطره استصغار ما تصدق عليه، البنوة، فقال: يا رسول الله ما عسى أن يغنى عني ابن الناقة" أنثى الإبل، ولا تسمَّى ناقة حتى تجزع, "فقال -صلى الله عليه وسلم: "ويحك، وهل يلد الجمل إلا الناقة؟ " فلو تدبرت، وتأملت اللفظ، لم تقل ذلك، ففيه مع المباسطة، الإيماء إلى إرشاده وإرشاد غيره؛ أنه إذا سمع قولًا يتأمله، ولا يبادر برده، إلّا بعد أن يدرك غوره، ولا يسارع إلى ما تقتضيه الصورة.
"روى حديثه الترمذي" وصححه، "وأبو داود" وأحمد، والبخاري في الأدب، عن أنس: أن رجلًا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستحمله، فقال: "إني حاملك على ولد الناقة" , فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة؟ فقال: "وهل يلد الإبل إلا النوق؟ " وجاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله احملني على بعير، فقال: "احملوها على ابن بعير" فقالت: ما أصنع به, وما يحملني يا رسول الله؟ فقال: "هل تجيء بعير إلّا ابن بعير؟ " فتعددت الواقعة بالنسبة للرجل والمرأة، وأما الخطاب بقوله: "أحملك على ابن الناقة"، وأنا أحملك وفي رواية: أنا حاملوك، فلرجل واحد، والخلف اللفظي من الرواة، فبعضهم باللفظ، وبعضهم بالمعنى، لا لتعدد الواقعة، لاتحاد المخرج، "وباسط عمته

الصفحة 66