كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
وكان -عليه الصلاة والسلام- يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم ويؤنسهم.
ويأخذ معهم في تدبير أمورهم، ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجره، وهو مع ذلك سره في الملكوت يجول حيث أراد الله به.
والدعابة -بضم الدال وتخفيف العين المهملتين وبعد الألف موحدة: هي الملاطفة في القول بالمزاح وغيره.
وقد أخرج الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة؛ قالوا: إنك تداعبنا، قال: إني لا أقول إلَّا حقًّا.
__________
السرقسطي، ورواه الترمذي، أيضًا، وابن الجوزي، موصولًا عن أنس: إن عجوزًا دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لها ومازحها به: "لا يدخل الجنة عجوز"، وحضرت الصلاة، فخرج -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة، فبكت بكاء شديدًا، حتى رجع، فقالت عائشة: يا رسول الله إن هذه المرأة تبكي لما قلت لها، لا يدخل الجنة عجوز، فضحك، وقال: "أجل لا يدخل الجنة عجوز، ولكن الله تعالى قال: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا، عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: 35] الآية "، وهن العجائز الرمص، ولا تنافي بين روايتي وصله وإرساله؛ لأن الحسن حدَّث به مرسلًا تارة بإسقاط أنس، وتارة وصله بذكر أنس، وقد رواه الطبراني في الأوسط من وجه آخر، من حديث عائشة: "وكان -عليه الصلاة والسلام- يمازح أصحابه" بالقول والفعل، للملاطفة، "ويخالطهم، ويحادثهم" تأنيسًا لهم، وجبرًا لقلوبهم، ولا ينفرهم، "ويأخذ معهم" أي: يشاركهم "في تدبير أمورهم، ويداعب" بدال مهملة، "صبيانهم، ويجلسهم في حجره" بكسر الحاء، وفتحها، كما فعل مع أم قيس؛ إذ أتته بابن لها صغير لم يأكل الطعام، فأجلسه في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فنضحه، "وهو مع ذلك سره في الملكوت، يجول" بالجيم، "حيث أراد الله، والدعابة -بضم الدال، وتخفيف العين المهملتين، وبعد الألف موحدة: هي الملاطفة في القول بالمزاح -بضم الميم، وبالزاي: اسم مصدر من مزح مزحا، ومزاحة، وبكسر الميم مصدر مازح، كما في المصباح "وغيره" كالمداعبة الفعلية، كمجه في وجه محمود، واحتضانه زاهرًا، "وقد أخرج الترمذي، وحسنه من حديث أبي هريرة" قال: "قالوا:" أي: الصحابة مستفهمين، "إنك تداعبنا" -بدال وعين، تمازحنا بما يستملح، وقد نهيت عن المزاح، فهل المداعبة خاصة بك؟ "قال: "إني لا أقول إلا حقًّا" فمن حافظ على قول الحق، وتجنب الكذب، وأبقى المهابة والوقار فله، ومن داوم عليها، أو أكثر منها، أو اشتمل مزحه على كذب، أو أسقطت مهابته، فلا".