كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

وما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- في النهي عن المداعبة محمول على الإفراط، لما فيه من الشغل عن ذكر الله والتفكر في مهمات الدين وغير ذلك.
والذي يسلم من ذلك هو المباح، فإن صادف مصلحة مثل تطييب نفس المخاطب -كما كان هو فعله عليه الصلاة والسلام- فهو مستحب.
وقال أنس: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير، وكان له نغر يلعب به فمات، فدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم حزينًا فقال: ما شأنه؟ قالوا: مات نغره، فقال......................................................
__________
"وما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- في النهي عن المداعبة" كقوله: "لا تمار أخاك، ولا تمازحه، ولا تعده موعدًا فتخلفه" رواه الترمذي "محمول على الإفراط، لما فيه من الشغل عن ذكر الله وعن التفكر في مهمات الدين، وغير ذلك"، كقسوة القلب؛ وكثرة الضحك، وذهاب ماء الوجه، بل كثيرًا ما يورث الإيذاء، والحقد، والعداوة، وجراءة الصغير على الكبير؛ وقد قال عمر: من كثر ضحكه قلت هيبته, ومن مزح استخف به. أسنده العسكري، ولذا، قيل:
فإياك إياك المزاح فإنه ... يجري عليك الطفل والرجل الذلا
ويذهب ماء الوجه من كل سيد ... ويورثه من بعد عزته ذلا
"والذي يسلم من ذلك" بأن لا يؤدي إلى حرام، ولا مكروه، "هو المباح" المستوي الطرفين على الأصح، "فإن صادف" المباح "مصلحة؛ مثل تطييب نفس المخاطب، كما كان هو فعله -عليه الصلاة والسلام، فهو مستحب" وقضيته أنه لا يقترن به ما يصيره واجبًا، ولو قيل: إن تعيِّنَ طريقًا لدفع حرام لم يبعد وجوبه، ذكره شيخنا، وقال غيره: ما سلم من المحذور فهو بشرطه مندوب لا مباح؛ إذ الأصل في أفعاله وأقواله وجوب أو ندب الاقتداء به فيها إلا لمانع، ولا مانع هنا.
"وقال أنس: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقًا" -بضم الخاء المعجمة، أتى به توطئة لقوله: "وكان لي أخ" من أمِّه، أم سليم، "يقال له أبو عمير" بضم العين، وفتح الميم، ابن أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري، وكان اسمه عبد الله، فيما جزم به أبو أحمد الحاكم، أو حفص، كما عند ابن الجوزي، ومات في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم، ففي مسلم عن أنس أن ابنًا لأبي طلحة مات، فذكر قصة موته، وأنها قالت لأبي طلحة هو أسكن مما كان: وبات معها، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "بارك الله لكما في ليلتكما"، فأتت بعبد الله ابن أبي طلحة، فبورك فيه، وهو والد إسحاق بن عبد الله الفقيه، وأخوته كانوا عشرة، كلهم حمل عنه العلم؛ "وكان له نغر يلعب" يتلهى "به، فمات، فدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم حزينًا، فقال: "ما شأنه"، قالوا:

الصفحة 69