كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
له: "يا أبا عمير ما فعل النغير"، رواه البخاري ومسلم. وفي رواية الترمذي قال أنس: إن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ليخالطنا حتى يقول لأخ لي: "يا أبا عمير ما فعل النغير".
قال الجوهري: النغير: تصغير نغر، والنغر جمع النغرة وهو طائر صغير كالعصفور، والجمع نغران مثل صرد وصردان.
وقد كان ألقى عليه مع الدعابة والمهابة،........
__________
مات نغرة، فقال له: "يا أبا عمير ما فعل النغير؟ " ملاطفة وتأنيسًا له وتسلية، وفيه جواز تكنية من لم يلد له، وتكنية الطفل، وأنه ليس كذبًا، وجواز المزح فيما ليس بإثم، وجواز السجع في الكلام الحسن بلا كلفة، وملاطفة الصبيان وتأنيسهم، وبيان ما كان عليه المصطفى من حسن الخلق، وكرم الشمائل والتواضع.
"رواه البخاري" في الأدب وغيره، "ومسلم" في الصلاة والاستئذان، وفضائل النبي، والترمذي في الصلاة، وابن ماجه في الأدب، "وفي رواية الترمذي" وكذا البخاري في الأدب، بهذا اللفظ أيضًا، ومسلم، فما أدري لم هذا التوهُّم من المصنّف، "قال أنس: إن" مخففة من الثقيلة, بدليل دخول اللام في خبرها، أي: إنه "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ليخالطنا" بالملاطفة، وطلاقة الوجه، والمزاح، قاله المصنف، وقال غيره: ليخالطنا يمازحنا، ففي القاموس: خالطه مازحه، والمراد أنس، وأهل بيته، "حتى" انتهت مخالطته لأهلنا كلهم حتى الصبي، والمداعبة معه، والسؤال عن طيره، "يقول لأخ لي" من أمي: "يا أبا عمير ما فعل النغير؟ " أي: ما شأنه وحاله، فباسطه بذلك ليسليه حزنه عليه، كما وشأن الصغير إذا فقد لعبته، فيفرح بمكالمة المصطفى ويرتاح بها ويفتخر؛ ويقول لأهله: كلمني وسألني، فيشتغل باغتباطه بذلك عن حزنه، فيسلي ما كان، وقد أكثر الناس من استنباط الأحكام من ذا الحديث، وزاد أبو العباس بن القاص من الشافعية، على مائة أفردها في جزء.
"قال الجوهري: النغير تصغير نغر" بزنة رطب، "والنغر جمع النغرة، وهو طائر صغير، كالعصفور" وقيل فراخ العصافير، قال عياض: والراجح أنه طائر أحمر المنقار، وأهل المدينة يسمونه البلبل، وفي رواية قالت أم سليم: ماتت صعوته التي كان يلعب بها، فقال: "يا أبا عمير ما فعل النغير؟ " "والجمع نغران مثل صرد" ميزان النغر، "وصردان" ميزان نغران، وقضية هذا، أنه بصيغة كونه جمعًا يطلق على الطائر، وفيه خلاف، فعلى عدم إطلاقه، فضمير وهو طائر للنغير المصغَّر، "وقد كان ألقي عليه مع الدعابة المهابة" العظمة في النفوس والإجلال، والمخافة على خلاف مقتضى حال المداعب، فإن المداعبة قد تكون سببًا لسقوطه من العيون.