كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
فسكَّن -عليه الصلاة والسلام- روعه شفقة، لأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، وسلب عنه وصف الملوكية بقوله: "فإني لست بملك"، لما يلزمها من الجبروتية، وقال: "أنا ابن امرأة تأكل القديد"، تواضعًا، لأن القديد مفضول، وهو مأكول المتمسكنة.
ولما رأته -عليه الصلاة والسلام- قبلة بنت مخرمة في المسجد، وهو قاعد القرفصي, أرعدت من الفرق. رواه أبو داود.
__________
وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه، والحاكم من حديث أبي مسعود البدري، والحاكم أيضًا من حديث جرير، "فسكن -عليه الصلاة والسلام- روعه" بالفتح، خوفه وفزعه، "شفقة؛ لأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، وسلب عنه وصف الملوكية" أي: الوصف بكونه من الملوك، "بقوله: "فإني لست بملك"، لما يلزمها من الجبروتية" التكبر والافتخار، ولم يقل والجبرية، للإشارة إلى أنه من عطف اللازم على الملزوم، كما مَرَّ، "وقال: "أنا ابن امرأة" فنسب نفسه إليها، ولم يقل رجل، زيادة في شدة التواضع، وتسكين الروع، لما علم من ضعف النساء، ووصفها بأنها "تأكل القديد"، تواضعًا، لأنَّ القديد مفضول، وهو مأكول المتمسكنة" فكأنه قال: إنما أنا ابن امرأة مسكينة، تأكل مفضول الأكل، فكيف تخاف مني؟ "ولما رأته -عليه الصلاة والسلام- قبلة" بفتح القاف، وسكون التحتية، ولام، "بنت مخرمة" بفتح الميم، وإسكان المعجمة، التميمية، ثم من بني العنبر، هاجرت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، ولها حديث طويل فصيح، شرحه أهل الغريب, وقصة طويلة "في المسجد" بعد صلاة الصبح، "وهو قاعد القرفصي" مثلثة القاف، والفاء مقصورة، والقرفصاء بضم القاف، والراء على الاتباع أن يجلس على البنية، ويلصق خذيه ببطنه، ويحتبي بيديه؛ يضعهما على ساقيه، أو يجلس على ركبتيه منكبًّا، ويلصق بطنه بفخذيه، ويتأبط كفيه، قاله القاموس: "أرعدت من الفرق" -بفاء وراء مفتوحين وقاف: الخوف والفزع.
"رواه أبو داود" والترمذي، والبخاري في التاريخ، عنها في حديثها الطويل، وروى ابن سعد، وابن جرير، والطبراني، وابن منده، عنها: لما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متخشعًا في الجلسة، وهو قاعد القرفصاء، أرعدت من الفرق، فقال جليسه: يا رسول الله أرعدت المسكينة، فقال -صلى الله عليه وسلم: ولم ينظر إليّ، وأنا عند ظهره: "يا مسكينة عليك السكينة" , فلما قالها أذهب الله ما كان دخل قلبي من الرعب، ومتخشعًا، بضم الميم، وفوقية، فمعجمة مفتوحتين، فمعجمة، فمهملة من الخشوع، وهو الانقياد، والطاعة.