كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: صحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ما ملأت عيني منه قط حياء منه وتعظيمًا له، ولو قيل لي صفة لما قدرت، أو كما قال.
وإذا كان هذا قوله وهو من جملة أصحابه، ولولا أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يباسطهم ويتواضع لهم ويؤنسهم, لما قدر أحد منهم أن يقعد معه, ولا أن يسمع كلامه, لما رزقه الله تعالى من المهابة والجلالة. يبين ذلك ويوضحه ما روي أنه -عليه الصلاة والسلام- كان إذا فرغ من ركوع الفجر حدث عائشة إن كانت مستيقظة، وإلّا اضطجع بالأرض ثم خرج بعد ذلك للصلاة، وما ذاك إلّا أنه -عليه الصلاة والسلام- لو خرج على تلك الحالة التي كان عليها، وما حصل له من القرب والتداني.............................................
__________
"وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص" القرشي، السهمي، الصحابي، ابن الصحابي، "قال: صحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم" صحبة طويلة، وسمعت منه أحاديث كثيرة، وحفظت عنه ألف مثل، ومع ذلك "ما ملأت عيني منه قط، حياء منه، وتعظيمًا له، ولو قيل لي صفه" بجميع أوصافه، "لما قدرت", فلا ينافي أنه وصفه ببعضها، "أو كما قال" عبد الله، شك الراوي، هل قال هذا اللفظ، أو معناه، "وإذا كان هذا قوله، وهو من جلة أصحابه" -بكسر الجيم، وشد اللام- جمع جليل، ويجمع أيضًا على أجلاء، قال المجد: قوم جلة بالكسر، عظماء سادة ذوو أخطار، وجواب إذا، محذوف، أي: فما بال بغيره، "ولولا أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يباسطهم، ويتواضع لهم، ويؤنسهم، لما قدر أحد منهم أن يقعد معه، ولا أن يسمع كلامه، لما رزقه الله تعالى من المهابة، والجلالة" عطف تفسير "يبين" يظهر "ذلك ويوضحه" بعد ظهوره، أي: يكشف حقيقة أمره، "ما روي أنه -عليه الصلاة والسلام، كان إذا فرغ من ركوع الفجر" أي: صلاة ركعتيه قبل الصبح، "حدَّث عائشة إن كانت مسيقظة، وإلا اضطجع بالأرض", وهذا إذا كان ببيتها، لأنه كان يقسم، وحجر نسائه متصلة بالمسجد، فلا يأتي له مع القسم أن يتحدث معها بعد كل فجر، ثم يحتمل أنه كان يحدث من هو عندها، ولم ينقل، لأنهن لم يحدثن به، ويحتمل أن لا يحدث، ويقتصر على الاضطجاع، وفي الصحيحين عن عائشة: كان إذا صلى ركعتي الفجر، اضطجع على شقه الأيمن، "ثم خرج بعد ذلك للصلاة، وما ذاك إلّا أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يتهجد ليلًا ويشتغل بما يقربه من الله، فيظهر عليه حاله حتى يظن أنه ليس من البشر، "فلو خرج على تلك الحالة التي كان عليها، وما حصل له من