كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
في مناجاته وسماع كلام ربه وغير ذلك من الأحوال التي يكل اللسان عن وصف بعضها، لما استطاع بشر أن يلقاه ولا يباشره، فكان -عليه الصلاة والسلام- يتحدث مع عائشة أو يضطجع بالأرض حتى يحصل التأنيس بجنسهم، وهو التأنيس مع عائشة أو من جنس أصل الخلقة التي هي الأرض. ثم يخرج إليهم، وما كان إلا رفقًا بهم، {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} . قال ابن الحاج في المدخل.
وقد جاء في الحديث أنه لما خُيِّرَ بين أن يكون نبيًّا ملكًا، أو نبيًّا عبدًا, فنظر -عليه الصلاة والسلام- إلى جبريل كالمستشير له، فنظر جبريل إلى الأرض يشير إلى التواضع، فاختار -عليه الصلاة والسلام- العبودية، فلما كان تواضعه إلى الأرض؛ حيث أشار جبريل أورثه الله تعالى رفعته إلى السماء، ثم إلى الرفيق الأعلى، إلى حضرة قاب قوسين أو أدنى،........................................
__________
القرب، والتداني، في مناجاته وسماع كلام ربه، وغير ذلك من الأحوال، التي يكل" بكسر الكاف، "اللسان عن وصف بعضها، لما استطاع بشر أن يلقاه، ولا يباشره، فكان -عليه الصلاة والسلام- يتحدث مع عائشة، أو يضطجع بالأرض" للتنويع، كما علم، "حتى يحصل التأنيس بجنسهم، وهو التأنيس مع عائشة" التي هي بشر، "أو من جنس أصل الخلقة، التي هي الأرض، ثم يخرج إليهم" ليتمكن الناس من مخالطته، والتكلُّم معه، "وما كان" يفعل ذلك "إلا رفقًا بهم {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43] الآية. كما قال تعالى وصفًا لذاته العليا في سورة الأحاب، وهو من صفات المصطفى أيضًا، كما قال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] الآية.
"قال ابن الحاج في المدخل" كتاب نفيس، "وقد جاء في الحديث أنه لما خُيِّر" على لسان إسرافيل، "بين أن يكون نبيًّا ملكًا، أو نبيًّا عبدًا، فنظر" جواب، لما أدخل المصنّف عليه الفاء على عادته، وهو قليل "-عليه الصلاة والسلام- إلى جبريل، كالمستشير له" لأنه يجب الاستشارة، "فنظر جبريل إلى الأرض، يشير إلى التواضع" لأن تركه طلب للرفعة المنهي عنها، وفي التواضع يعظم غيره، حتى كأنه نزل نفسه منزلة الملصق بالأرض، ثم الإشارة ليست بمجرد نظر الأرض، بل مع الإشارة باليد، ففي رواية، فأشار إلى جبريل بيده أن تواضع، فقلت: نبيًّا عبدًا.
"فاختار -عليه الصلاة والسلام- العبودية، فلمَّا كان تواضعه إلى الأرض؛ حيث أشار جبريل، أورثه الله تعالى رفعته إلى السماء، ثم إلى الرفيق الأعلى، إلى حضرة قاب" قدر "قوسين، أو أدنى" أقرب من ذلك قرب مكانة لإمكان، لتنزهه سبحانه عنه، وخص القوسين؛ لأنهم كانوا إذا