كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

عجوز كبيرة. وحديثها مذكور في البخاري.
فقد علمت أنه -عليه الصلاة والسلام- كان مع أصحابه وأهله، ومع القريب والغريب من سعة الصدر ودوام البشر وحسن الخلق والسلام على من لقيه، والوقوف مع من استوقفه, والمزح مع الصغير والكبير أحيانًا، وإجابة الداعي, ولين الجانب, حتى يظن كل واحد من أصحابه أنه أحبهم إليه.
وهذا الميدان لا تجد فيه إلا واجبًا أو مستحبًّا أو مباحًا، فكان يباسط الخلق ويلابسهم ليستضيئوا بنور هدايته من ظلمات دياجي الجهل، ويقتدوا بهديه -صلى الله عليه وسلم.
__________
رونقها" أي: حسنها وبهجتها، "وهي عجوز كبيرة" ولدت بالحبشة، وماتت سنة ثلاث وسبعين، وكان دخولها عليه بإشارة أمها، قال في الإصابة: روينا في الخلعيات، عن عطاف بن خالد، عن أمه، عن زينب بنت أبي سلمة، قالت: كان -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل يغتسل، تقول أمي: أدخلي عليه، فإذا دخلت نضح في وجهي، ويقول: "ارجعي"، قالت أم عطاف: فرأيت زينب، وهي عجوز كبيرة، ما نقص من وجهها شيء، وفي رواية، ذكرها أبو عمر: فلم يزل ماء الشباب في وجهها، حتى كبرت وعمرت، "وحديثها مذكور في البخاري".
"فقد علمت أنه -عليه الصلاة والسلام- كان مع أصحابه، وأهله، ومع القريب والغريب،" على غاية "من سعة الصدر" يفتح السين على الأشهر، وحكى كسرها، "ودوام البشر" بكسر، فسكون، "وحسن الخلق" بالضم "والسلام على من لقيه، والوقوف مع من استوقفه، والمزح مع الصغير والكبير أحيانًا" إذا اقتضاه المقام، "وإجابة الداعي" ولو عبدًا، "ولين الجانب، حتى يظن كل واحد من أصحابه أنه أحبهم إليه" وقد وقع ذلك لعمرو بن العاص، "وهذا الميدان" بفتح الميم، وكسرها، محل تسابق الفرسان، والمراد هنا الحالة التي اتصف بها -صلى الله عليه وسلم- مع الخلق، شبهها بالميدان، لشدة اتساعها وسهولتها، واستعار لها لفظه، "لا تجد فيه لّا واجبًا، أو مستحبًّا، أو مباحًا، فكان يباسط الخلق، ويلابسهم ليستضيئوا بنور هدايته، من ظلمات دياجي الجهل" أي: من ظلم ليالي الجهل، أو من ظلمات هي دياجي الجهل، ففي القاموس: دياجي الليل حنادسه، والحندس، بالكسر: الليل المظلم، فيمكن أن إضافة دياجي إلى الجهل من إضافة الموصوف إلى صفته، أي: الجهل الذي هو كالليل المظلم، "ويقتدوا بهديه -صلى الله عليه وسلم" هكذا في النسخ الصحيحة، ليستيضيئوا ويقتدوا، وفي نسخة، بالنون فيهما، والصواب حذفها، وادَّعى البعض أنها لغة قليلة.

الصفحة 76