كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

وكانت مجالسته -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه -رضي الله عنهم عامَّتها مجالس تذكير بالله، وترغيب وترهيب، إما بتلاوة القرآن، أو بما آتاه الله من الحكمة والمواعظ الحسنة، وتعليم ما ينفع في الدِّين، كما أمره الله تعالى أن يذكِّر ويعظ ويقص، وأن يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يبشِّر وينذر، فلذلك كانت تلك المجالس توجب لأصحابه رقَّة القلوب، والزهد في الدنيا, والرغبة في الآخرة، كما ذكره أبو هريرة مما رواه أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه قال: قلنا يا رسول الله: ما لنا إذا كنَّا عندك رقَّت قلوبنا وزهدنا في الدنيا, وكنا من أهل الآخرة، فإذا خرجنا من عندك عافسنا أهلنا وشممنا أولادنا وأنكرنا أنفسنا.
فقال -صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم إذا خرجتم من عندي كنتم على حالكم ذلك لزارتكم الملائكة في........................................................
__________
"وكانت مجالسته -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه -رضي الله عنهم- عامَّتها مجالس تذكير بالله، وترغيب وترهيب، إما بتلاوة القرآن" وهو مشتمل على الثلاثة، "أو بما آتاه الله تعالى من الحكمة، والمواعظ الحسنة، وتعليم ما ينفع في الدين، كما أمره الله تعالى أن يذكر" في نحو: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] الآية. "ويعظ" في نحو قوله: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} الآية. "ويقص" {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176] الآية. "وأن يدعو إلى سبيل الله" ربه، دينه بقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل: 125] الآية. القرآن "والموعظة الحسنة" مواعظ القرآن، أو القول الرقيق، "وأن يبشر" في نحو: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} الآية. "وينذر" نحو: {قُمْ فَأَنْذِرْ} الآية، "فلذلك كانت تلك المجالس توجب لأصحابه رقَّة القلوب، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة" حتى قال ابن مسعود: ما كنت أظن أحدًا من الصحابة يريد الدنيا، حتى نزل منكم من يريد الدنيا، ومنكم من يريد الآخرة، "كما ذكره أبو هريرة مما رواه أحمد، والترمذي، وابن حبان في صحيحه، قال: قالنا يا رسول الله، ما لنا إذا كنا عندك، رقت" لانت "قلوبنا، وزهدنا في الدنيا، وكنا من أهل الآخرة، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا أهلنا، وشممنا" بكسر الميم، والفتح لغة، كما مرّ "أولادنا" بالإقبال عليها بالملاطفة والرفق، وتقبيل صغارهم، والشفقة عليهم، فأطلق الشم على ذلك مجازًا بتشبيه ما أدركوه من أولادهم بالرائحة الطيبة، ومخالطتهم لهم على هذا الوجه بالشم.
كذا حمله شيخنا، والأولى بقاؤه على حقيقته، "وأنكرنا أنفسنا، فقال -صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم إذا خرجتم من عندي، كنتم على حالكم ذلك" الذي تكونون عليه عندي، إشارة إلى أن الدوام عليها عزيز، وإن عدمه لا يوجب معتبة لما طبع عليه البشر من المعتبة، "لزارتكم الملائكة في

الصفحة 77