كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
وهذا إذا كان الطعام مباحًا، أمَّا الحرام فكان يعيبه ويذمّه وينهي عنه، وذهب بعضهم إلى أن العيب إذا كان من جهة الخلقة كره، وإن كان من جهة الصنعة لم يكره، قال: لأنَّ صنعة الله تعالى لا تعاب، وصنعة الآدميين تعاب. قال في فتح الباري: والذي يظهر: التعميم، فإن فيه كسر قلب الصانع.
قال النووي: ومن آداب الطعام المتأكد أن لا يعاب، كقوله: مالح، حامض، قليل الملح، غليظ، رقيق، غير ناضج ونحو ذلك.
ومن تواضعه: إن هذه الدنيا شاع سبها في العالمين، فقال -صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدنيا"، ثم مدحها فقال: "نعمت مطية المؤمن، عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر"............
__________
تركه، ولم يقع فيهما ما عاب ذواقًا قط، "وهذا إذا كان الطعام مباحًا، أما الحرام فكان يعيبه ويذمه وينهى عنه" للمنع عنه شرعًا، لا من حيث ذاته، فقد يكون حسن المذاق والصنعة، "وذهب بعضهم إلى أن العيب إن كان من جهة الخلقة كره، وإن كان من جهة الصنعة لم يكره، قال: لأن صنعة الله تعالى لا تعاب" فلذاكره ذمه، "وصنعة الآدميين تعاب" فلا يكره عيبه، "قال في فتح الباري: والذي يظهر التعميم، فإن فيه كسر قلب الصانع" بالنسبة للشق الثاني، الذي قال البعض بعدم كراهة ذمه، وأما الأول، فقد سلم كراهته، وعلَّله بأن صنعة الله لا تعاب، فالمعنى: أن للتعميم علتين، ذكر إحداهما هذا البعض، وفاتته الأخرى مع ظهورها بكسر قلب الصانع، وبهذا ظهر تعسف من قال: لا يصلح هذا دليلًا على التعميم، وإنما يناسب ما صنعه الآدميون، إلّا أن يقال ما لا صنع فيه للآدمي، كالفواك، يمكن عيبه من حيث زراعته، وخدمته، وقطعه قبل كمال نضجه، ونحو ذلك، فهو وإن كان إيجاده، إنما أيضًا فلله، لكن تدبيره وتهيئته للانتفاع به، يضاف للآدمي عادة، فذمه يكسر قلبه من هذه الجهة.
"قال النووي: ومن آداب الطعام المتأكدة" أي: الأمور المستحسنة المتعلقة به، "أن لا يعاب"؛ لأن المصطفى ما عاب طعامًا قط، ومعلوم الاقتداء به في أقواله، وأفعاله وغيرهما، فذكر هذا ليبين بعض أنواع العيب، "كقوله: مالح، حامض، قليل الملح، غليظ" أي: ثخين "رقيق غير ناضج" أي: نيء، "ونحو ذلك" بالجر عطف على مدخول الكاف، فذكره إيضاح، "ومن تواضعه إن هذه الدنيا" ما بين السماء والأرض، "شاع سبها في العالمين" قديمًا وحديثًا، فنهى عن ذلك، "فقال -صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدنيا"، ثم مدحها فقال: "نعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر" , فإن قيل ما وجه كون هذا من التواضع، مع أنه هضم النفس من