كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

وقال: "لا تسبوا الدهر" رواه البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ: "ولا تقولوا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر" , وفي لفظ له: "يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر,...................
__________
الملكات، تتصاغر تواضعًا، وفي القاموس: تواضع لله ذلَّ وخشع، قلنا: لعل وجهه من جهة أن الذين يسبونها يظهرون الاستغناء عنها، وعدم الاعتبار بها، مع أنه خلاف الواقع, فمدحه -صلى الله عليه وسلم- لها, ونهيه عن سبها، فيه إظهار للمحقق من احتياج في فيها إليها، وقال: "لا تسبوا الدهر".
رواه مسلم بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة، وزاد: "فإن الله هو الدهر"، وفي رواية: "فإن الدهو هو الله"، قال ابن الأثير: كان من شأن العرب أن تذم الدهر وتسبه عند النوازل والحوادث، ويقولون: أبادهم الدهر، وأصابتهم قوارع الدهر وحوادثه، ويكثرون ذكره بذلك في أشعارهم، وذكره الله عنهم، فقال: {وَقَالُوا مَا هِيَ إلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الجاثية: 24] الآية، نموت ونحيى، وما يهلكنا إلا الدهر، والدهر اسم للزمان الطويل، وهذه الحياة الدنيا، فنهاهم -صلى الله عليه وسلم- عن ذم الدهر وسبه، أي: لا تسبّوا فاعل هذه الأشياء، فإنكم إذا سببتموه وقع السب على الله؛ لأنه الفعال لما يريد، لا الدهر، فتقدير رواية: "فإن الدهر هو الله"، فإن جالب الحوادث ومتوليها هو الله لا غيره، فوضع الدهر موضع جالب الحوادث، لاشتهار الدهر عندهم بذلك، وتقدير رواية: "فإن الله هو الدهر"، فإن الله هو الجالب للحوادث، لا غيره الجالب، ردًّا لاعتقادهم أن جالبها الدهر. انتهى.
"رواه" الحديث لا بهذا اللفظ، فإنه رواية مسلم، كما علمت لا البخاري، نعم ترجم به "البخاري" وكذا مسلم أيضًا، كلاهما في كتاب الأدب "من حديث أبي هريرة، بلفظ "لا تسموا العنب الكرم، ولا تقولوا خيبة الدهر" بالخاء المعجمة، والموحدة المفتوحتين، بينهما تحتية ساكنة، نصب على الندبة، كأنه فقد الدهر، لما يصدر عنه مما يكرهه، فندبه متفجعًا عليه، أو متوجعًا منه، وقال الداودي: هو دعاء عليه بالخيبة، كقولهم: قحَّط الله نواها، يدعون على الأرض بالقحط، وهي كلمة هذا أصلها، ثم صارت تقال لكل مذموم، وفي رواية لمسلم: وادهراه وادهراه، والخيبة الحرمان والخسران، قاله الحافظ وتبعه المصنف، وزاد: وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل. انتهى.
وقال الكرماني: خيبة بالنصب، مفعول مطلق، أي: لا تقولوا هذه الكلمة، أو لا تقولوا ما يتعلق بخيبة الدهر ونحوها، ولا تسبوه، "فإن الله هو الدهر" أي الفاعل، ما يحدث فيه، قال القاضي عياض: زعم بعض من لا تحقيق عنده، أن الدهر من أسماء الله، وهو غلط، فإن الدهر مدة زمان الدنيا، "وفي لفظ له" للبخاري، وكذا مسلم أيضا، كلاهما في أدب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: "يسب بنو آدم الدهر"، وفي رواية "يؤذيني

الصفحة 80