كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

بيدي الليل والنهار". وعند مسلم في حديث: "لا يسب أحدكم الدهر".
__________
ابن آدم يسب الدهر"، قال القرطبي: معناه: يخاطبني من القول بما يتأذّى به من يجوز في حقه التأذي, والله منَزَّه عن أن يصل إليه الأذى، وإنما هذا التوسع في الكلام والمعنى، أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله، قال الحافظ: وهذا السياق مختصر، وقد رواه الطبري.
عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، هو الذي يميتنا ويحيينا، فقال الله تعالى في كتابه: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الجاثية: 24] الآية، قال: فيسبون الدهر، قال الله تعالى: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر". قال الخطابي: معناه: أنا صاحب الدهر، ومدبر الأمور التي تنسبونها إلى الدهر، فمن سبَّ الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور، عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها، وإنما الدهر زمان جعل ظرفًا لمواقع الأمور، وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر، فقالوا: بؤسًا للدهر، وتبًّا للدهر، وقال النووي: أنا الدهر، بالرفع في ضبط الأكثرين والمحققين، ويقال بالنصب على الظرف, أي: أنا باق أبدًا، والموافق لقوله: "فإن الله هو الدهر" الرفع، هو مجاز، وذلك لأنَّ العرب كانت تسب الدهر عند الحوادث، فقال: لا تسبوه فإن فاعلها هو الله، فإن سببتموه سببتموني، أو الدهر هنا بمعنى الداهر، فقد حكى الراغب أن الدهر في يسب بنو آدم الدهر، هو الزمان، وفي، فإن الله هو الدهر, المدبر المصرف لما يحدث، ثم استضعفه لعدم الدليل على، وبأنه لو كان كذلك لعد من أسماء الله، وكذا قال محمد بن داود الظاهري محتجًّا لروايته، بفتح الراء، بأنه لو كان بضمها لكان من أسماء الله، وتعقَّب بأن ذلك ليس بلازم، ولا سيما مع رواية، فإن الله هو الدهر.
قال ابن الجوزي: يصوّب ضم الراء من أوجه، أحدها: إن الضم رواية المحدثين، ثانيها: لو نصب صار، التقدير، فإنا لدهر أقلبه، فلا تكون على النهي عن سبه مذكورة؛ لأنه تعالى يقلّب الخير والشر، فلا يستلزم ذلك منع الذم، ثالثها: رواية: "فإن الله هو الدهر" انتهى.
وهذه الأخيرة لا تعين الرفع، لأن للمخالف أن يقول التقدير: فإن الله هو الدهر يقلبه لترجع للرواية الأخرى، وكذا ترك علة النهي لا يعين، لأنها تعرف من السياق، أي: لا ذنب له، فلا تسبوه. انتهى.
"بيدي الليل والنهار" وفي رواية أحمد "ولا تسبوا الدهر، فإن الله تعالى"، قال: أنا الدهر، الأيام والليالي لي، أحددها، وأبليها، وآتي بملوك بعد ملوك، "وعند مسلم في حديث: "لا يسب أحدكم الدهر".
قال في الفتح: ومعنى النهي عن سبه: إن من اعتقد أنه فاعل للمكروه فسبَّه أخطأ، فإن

الصفحة 81