كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
ومحصل ما قيل في تأويله، ثلاثة أوجه:
أحدها: إن المراد بقوله: "إن الله هو الدهر"، أي: المدبر للأمور.
ثانيها: إنه على حذف مضاف. أي: صاحب الدهر.
ثالثها: التقدير: مقلب الدهر. ولذلك عقَّب في رواية البخاري: "بيدي الليل والنهار".
وقال المحققون: من نسب شيئًا من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر، ومن جرى على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر، لكن يكره له ذلك لتشبهه بأهل الكفر في الإطلاق.
__________
الله هو الفاعل، فإذا سبه رجع إلى الله، قال: "ومحصل ما قيل في تأويله" لعدم جواز بقائه على ظاهره، "ثلاثة أوجه، أحدها: إن المراد بقوله: "إن الله هو الدهر"، أي: المدبر للأمور" ومنها جلب الحوادث ودفعها، "ثانيها: إنه على حذف مضاف, أي: صاحب الدهر" أي الخالق له؛ إذ هو مده زمان الدنيا كما قال القاضي عياض, "ثالثها": إنه أيضًا لكن "التقدير مقلب الدهر" بالإضافة، وعدمها "ولذلك عقب في رواية البخاري" المذكورة "بيدي الليل والنهار" أقلبهما كيف شئت، وأجددهما وأبليهما،"وقال المحققون: من نسب شيئًا من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر"؛ لأنه ذهب مذهب الدهرية من الكفار المنكرين للصنع، زاعمين أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك النفوس، منكرين ملك الموت، وقبضه للأرواح بأمر الله، ويضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر والزمان، وأشعارهم ناطقة بشكواه، ويعتقدون أن في كل ثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وزعموا أن هذا، قد تكرر مرات لا تتناهى، فكابروا القول، وكذبوا النقول، ووافقهم مشركوا العرب، وذهب إليه آخرون، لكنهم اعترفوا بوجود الصانع، الإله الحق -عز وجل، إلا أنهم نزهوه أن تنسب إليه المكاره، فأضافوها إلى الدهر فنسبوه.
"ومن جرى على لسانه" بأن قصد النطق حالة كونه "غير معتقد، لذلك فليس بكافر، لكن يكره له ذلك، لتشبهه بأهل الكفر في الإطلاق" زاد في الفتح، وهذا نحو التفصيل في قولهم: مطرنا بنوء كذا, وقال عياض: زعم بعض من لا تحقيق له أن الدهر من أسماء الله، وهو غلط، فإن الدهر مدة زمان لدنيا، وعرفه بعضهم؛ بأنه أمد مفعولات الله في الدنيا، أو فعله، لما قبل الموت، وقد تمسك الجهلة من الدهرية والمعطلة بظاهر هذا الحديث، واحتجوا به على من لا رسوخ له في العلم، وهو بنفسه حجة عليهم؛ لأن الدهر عندهم حركات الفلك وأمد العالم، ولا شيء عندهم، ولا صانع سواه، وكفى في الرد عليهم قوله في بقية الحديث: "أنا الدهر أقلبه ليله ونهاره"، فكيف يقلب الشيء نفسه, تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا، وقال ابن أبي جمرة: