كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
وأمَّا ما روي من حيائه -صلى الله عليه وسلم، فحسبك ما في البخاري من حديث سعيد: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد حياءً من العذراء في خدرها.
والعذراء هي البكر.
والخدر: بكسر الخاء المعجمة -أي في سترها.
وهو من باب التتميم، لأنَّ العذراء في الخدر يشتد حياؤها أكثر مما تكون خارجها، لكون الخلوة مظنَّة وقوع الفعل بها. فالظاهر: أن المراد تقييده بما إذا دخل عليها.................
__________
"وأما ما روي من حيائه -صلى الله عليه وسلم" لم يقل: وأما حياؤه على منوال سابقه ولاحقه؛ إذ الفصل معقود لبيان الصفات، لا المروي كأنه، لأن حياءه وقوته علم من مواضع، كالصريحة في كلامه، ولأن اتصافه به ثابت مشهور عند الناس، خاصتهم وعامتهم، لا يحتاج لبيان، فلم يجعله مقصودًا، وإنما القصد بيان الروايات الواردة فيه، وجواب أمَّا محذوف، أي: ففيه أحاديث كثيرة، "فحسبك" أي: يكفيك عن طلب حقيقة حيائه،؛لأنك إذا علمت وصفه بما ذكر، علمت أنه لا يساويه فيه أحد، "ما في البخاري" في الصفة النبوية، والأدب، ومسلم في الفضائل، وابن ماجه في الزهد، "من حديث أبي سعيد" الخدري، قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد حياء" نصب على التمييز، وهو تغير وانكسار عند خوف ما يعاب أو يذم، "من العذراء" بالذال المعجمة، البكر، لأنَّ عذرتها وهي جلدة البكارة باقية، "في خدرها" وأخرجه البخاري من وجه آخر، عن أبي سعيد بزيادة: وإذا كره شيئًا عُرِفَ في وجهه، وهو إشارة إلى أنَّه لم يكن يواجه أحد إنما يكرهه بل يتغير وجهه، فيفهم أصحابه كراهته لذلك، كما في الفتح: "والعذراء" بالمد، "هي البكر" ذات العذرة، وجمعها عذارى، بفتح الراء، وكسرها، فهما مترادفان لغة، وأما شرعًا: فالعذراء أخص من البكر، لأنها من لم تزل عذرتها بشيء، والبكر من لم تزل بكارتها بوطء، ولو أزيلت بسقطة وحدة حيض، ونحوهما، "والخدر، بكسر الخاء المعجمة وإسكان الدال المهملة مبتدأ وخبر، وقوله: "أي: في سترها" تفسير لقوله في خدرها، والإضافة عهدية, أي: في الستر المعهود اتخاذه لها، قال المجد: الخدر: ستر يمد للجارية، أي: البنت في ناحية البيت، كالأخدور، وكل ما واراك من بيت ونحوه، جمعه خدور وأخدار.
"وهو من باب التتميم؛ لأن العذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما تكون خارجها، لكون الخلوة مظنة وقوع الفعل" الوطء "بها، فالظاهر أن المراد تقييده" أي: قوة حيائها في خدرها، "بما إذا دخل عليها" بالبناء للفاعل، أي: من تحتشمه أخذًا من قوله: أولًا، لكون الخلوة