كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
وقال ذو النون: الحياء وجود الهيبة في الخلق، مع وحشة ما يسبق منك إلى ربك، والحب ينطق والحياء............
__________
خبر كله، والحياء لا يأتي إلا بخير"، وهذا التعريف الذي ذكره المصنف لغة، وشرعًا لفظ الفتح في باب أمور الإيمان، ثم قال فيه: في باب الحياء من الإيمان، ما لفظه، قال الراغب: الحياء انقباض النفس عن القبيح، وهو من خصائص الإنسان؛ ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي، فلا يكون كالبهيمة، وهو مركَّب من خير وعفة، فلذا لا يكون المستحي فاسقًا، وقلَّما يكون الشجاع مستحيًا، وقد يكون لمطلق الانقباض، كما في بعض الصبيان. انتهى ملخصًا.
وقال غيره: هو انقباض النفس خشية ارتكاب ما يكره، أعم من أن يكون شرعيًّا، أو عقليًّا، أو عرفيًّا، ومقابل الأول فاسق، والثاني مجنون، والثالث أبله.
وقال الحليمي: حقيقة الحياء خوف الذم بنسبة الشر إليه، وقال غيره: إن كان في محرم، فهو واجب، وإن كان في مكروه، فهو مندوب، وإن كان في مباح، فهو العرفي، وهو المراد بقوله: "الحياء لا يأتي إلا بخير"، ويجمع كل ذلك؛ أنَّ المباح إنما هو ما يقع على نهي الشرع إثباتًا ونفيًا، وجاء عن بعض السلف: رأيت المعاصي نذالة، فتركتها مروءة، فصارت ديانة، وقد يتولد الحياء من الله تعالى، من التقلب في نعمة، فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصيته، وقد قال بعض السلف: خف الله على قدر قدرته عليك، واستحِ منه على قدر قربه منك، انتهى كلام الفتح رحمه الله.
"وقال ذو النون" المصري، ثوبان بن إبراهيم، أبو الفيض، أحد المشايخ المذكورين في رسالة القشيري، ولد بأخميم، وحدَّث عن مالك، والليث، وابن لهيعة، وعنه الجنيد، وغيره، وكان أوحد وقته علمًا، وأدبًا، وورعًا، وهو أول من عَبَّر عن علوم المنازلات، وأنكر عليه أهل مصر، وقالوا: أحدث علمًا لم يتكلّم فيه الصحابة، وسعوا به إلى الخليفة المتوكّل، ورده مكر ما، مات في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائتين، وقد قارب السبعين، فأظلت الطير الخضر جنازته ترفرف عليه حتى وصل إلى قبره، فلمَّا دفن غابت، فاحترم أهل مصر قبره، وكانوا يسمونه الزنديق، "الحياء وجود الهيبة في الخلق" بفتح، فسكون، أي: النوع الإنساني، احترازًا عن البهائم، وفي نسخ في القلب بدل في الخلق، "مع وحشة" أي: خوف "ما" شيء "يسبق" يصدر "منك، إلى ربك" مما يخالف أمره، أو نهيه، أو أصل الوحشة بين الناس، الانقطاع، وبعد القلوب من المودات، "والحب ينطق" يحمل المحب على التكلم بما في ضميره، مما يريد إخفاءه قهرًا عليه، "والحياء يُسْكِتُ" عن التكلم بما يريده، إخفاءه قهرًا عليه، "والحياء يسكت" عن التكلّم بما يريده، "والخوف يقلق" يزعج، يعني أن خوف العبد