كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
يقول لهم انصرفوا.
ومنها: حياء العبودية، وهو حياء يمتزج بين محبة وخوف ومشاهدة عدم صلاحية عبوديته لمعبوده، وأن قدره أعلى وأجلّ منها، فعبوديته له توجب استحياء منه لا محالة.
ومنها: حياء المرء من نفسه، وهو حياء النفوس الشريفة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص، وقنعها بالدون، فيجد نفسه مستحييًا من نفسه، حتى كأنَّ له نفسين، يستحي بإحداهما من الأخرى، وهذا أكمل ما يكون من الحياء، فإن العبد إذا استحيا من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر.
والحياء -كما قال عليه الصلاة والسلام- لا يأتي إلا بخير، وهو من الإيمان.
__________
أن يقول لهم انصرفوا" فقام فقاموا" إلّا ثلاثة، أو اثنين، فمكثوا حتى انطلق إلى أزواجه، فسلَّم عليهن، ثم قاموا، فأخبره أنس، فجاء، فدخل على زينب.
ومنها حياء المحبّ من محبوبه، حتى إنه إذا خطر على قلبه في حال غيبته، هاج تحرك الحياء من قلبه، وأحسّ به في وجهه، فلا يدري هو، أي: المحب ما سببه.
"ومنها حياء العبودية، وهو حياء يمتزج" يختلط "بين محبة وخوف، ومشاهدة عدم صلاحية، عبودية لمعبوده، وإن قدره أعلى وأجلّ منها؛ فعبوديته له توجب استحياء منه، لا محالة" بفتح الميم.
"ومنها حياء المرء من نفسه، وهو حياء النفوس الشريفة الرفيعة، من رضاها لنفسها بالنقص، وقنعها بالدون" في المطلوب دنيويًّا، أو أخرويًّا؛ "فيجد نفسه مستحييا من نفسه، حتى كأن له نفسين يستحيي بإحداهما من الأخرى، وهذا أكمل ما يكون من الحياء، فإن العبد إذا استحيا من نفسه، فهو بأن يستحيي من غيره أجدر" أحق، وهذه أربعة من الثمانية.
"والحياء كما قال -عليه الصلاة والسلام- لا يأتي إلا بخير؛ لأن من استحيا أن يراه الناس يأتي بقبيح، دعاه ذلك إلى أن يكون حياؤه من ربه أشد، فلا يضيِّع فريضة، ولا يرتكب خطيئة، "وهو من الإيمان" لأنه يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي، كما يمنع الإيمان، فسمي إيمانًا، كما يسمَّى الشيء باسم ما قام مقامه، قاله ابن قتيبة, ومن للتبعيض، فهو كرواية: "الحياء شعبة من الإيمان"، ولا يرد إذا كان بعضه ينتفي الإيمان بانتفائه؛ لأن الحياء من مكملات الإيمان، ونفي الكمال لا يستلزم نفي الحقيقة، فأول الحياء وأولاه الحياء من الله، وهو أن لا يراك حيث نهاك،