كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

كما رواهما البخاري.
قال القاضي عياض وغيره: وإنما جعل الحياء من الإيمان -وإن كان غريزة؛ لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم.
وقال القرطبي: الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان، وهو المكلَّف به دون الغريزي، غير أنَّ من كان فيه غريزة منه فإنها تعينه على المكتسب، حتى يكاد يكون غريزة، قال: وكان -صلى الله عليه وسلم- قد جمع له النوعان، فكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها.
وقال القاضي عياض: وروي عنه -صلى الله عليه وسلم: أنه كان من حيائه لا يثبت بصره في وجه أحد.
وأما خوفه -صلى الله عليه وسلم- ربه جلَّ وعلا،............
__________
ولا يفقدك حيث أمرك، وكماله إنما ينشأ عن المعرفة ودوام المراقبة، "كما رواهما" الحديثين "البخاري" ومسلم، فحديث "الحياء لا يأتي إلا بخير"، روياه عن عمران بن حصين، وحديث "الحياء من الإيمان" أخرجاه عن ابن عمر، "قال القاضي عياض وغيره: وإنما جعل الحياء من الإيمان، وإن كان غريزة" جبلة، "لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصده" أراده، "واكتساب، وعلم" فهو غريزي أصلًا؛ واكتسابي كمالًا، "وقال القرطبي" وأبو العباس في شرح مسلم: "الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان، وهو المكلّف به دون الغريزي، غير أن من كان فيه غريزة منه، فإنها تعينه على المكتسب؛ حتى يكاد يكون" المكتسب "غريزة".
"قال: وكان -صلى الله عليه وسلم- قد جمع له النوعان: فكان في الغريزي أشد حياءً من العذراء في خدرها" وسئل بعضهم: هل الحياء من الإيمان مقيدٌ ومطلق؟ فقال: مقيد بترك الحياء في المذموم شرعًا، فعدمه مطلوب في النصح والأمر والنهي الشرعي، أن الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا، والله لا يستحيي من الحق، "وقال القاضي عياض" في الشفاء: "وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان من حيائه لا يُثَبِّتُ" بضم أوله رباعي، لا بفتحها ثلاثي، لإيهامه العجز "بصره" أي: لا يديم نظره "في وجه أحد" ولا يتأمله، فإثبات البصر بمعنى إطالة النظر، من غير تخلل إغماض الجفن ونحوه، حتى كان بصره صار قارًّا في المرئي، كما قال المتنبي:
وخصر تثبت الأبصار فيه ... كأن عليه من حدق نطاقا
قال السيوطي: هذا الحديث ذكره صاحب الأحياء، ولم يجده العراقي.
"وأما خوفه -صلى الله عليه وسلم- ربه جلَّ وعلا" فكان على غاية لا يساويه أحد فيه، فالجواب محذوف،

الصفحة 92