كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

فاعلم أن الخوف والوجل والهيبة والرهبة ألفاظ متقاربة غير مرادفة.
قال الجنيد: الخوف توقّع العقوبة على مجاري الأنفاس.
وقيل: الخوف اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف.
وقيل: الخوف قوة العلم بمجاري الأحكام، وهذا سبب الخوف، لا أنه نفسه.
وقيل: الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره.
والخشية أخص من الخوف، فإن الخشية للعلماء بالله تعالى: قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 38] فهو خوف مقرون بمعرفة. وقال -صلى الله عليه وسلم: "أنا أتقاكم لله وأشدكم له خشية"،........
__________
دلت عليه الأحاديث الآتية: وإذا أردت بيان معنى الخوف، "فاعلم أن الخوف والوجل والهيبة والرهبة ألفاظ متقاربة غير مرادفة" لأن المترادفين: كل لفظين اتحدا في المفهوم وإلى ما صدق، وهذه الألفاظ ليست متحدة في المفهوم، كما علم من تعاريفها.
"قال الجنيد: الخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس" بأن يتصوَّر أن كل نفس يقوم به، يخشى أن تحل به عقوبة عنده، وهو من إضافة الصفة للموصوف، أي: الأنفاس الجارية، أي: عقب كل نفس جار، والمجاري: جمع مجرى مصدر جرى، ويطلق أيضًا على أواخر الكَلِم، فإن فسرت به المجاري، حملت على الأثر الحاصل عقب كل نفس، "وقيل: الخوف اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف" أي: الأمر الذي يخاف وقوعه به، "وقيل: الخوف قوة العلم" ثبوته وتحققه "بمجاري الأحكام" من إضافة الصفة للموصوف، أي: بالأحكام الجارية, "وهذا" التعريف "سبب الخوف"؛ لأن مَنْ تحقَّقَ عواقب الأمور وراقبها خاف وقوعها، فالعقوبات موفة، وقوة العلم سبب لخوف وقوعها، "لا أنه نفسه" أي الخوف، "وقيل: الخوف هرب القلب" نفرته وجزعه "من حلول المكروه عند استشعاره، والخشية أخص من الخوف، فإن الخشية للعلماء بالله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} " لا الجهال [فاطر: 28] الآية. "فهو خوف مقرون بمعرفة" أي: فخشية الله هي خوف عقابه، مع تعظيمه بأنه غير ظالم في فعله، بخلاف مطلق الخوف، فإنه يتحقق عند تهديد الظالم له.
"وقال -صلى الله عليه وسلم: "أنا أتقاكم لله" لأني أعلمكم به، وكلما زاد العلم زادت التقوى والخوف، ولذا قال: "وأشدكم له خشية" , فلا ينبغي لكم التنزة عن مباح فعلته، وفي الصحيحين عن عائشة، صنع النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا ترخص فيه، وتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما بال أقوام

الصفحة 93