كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

وأما الوجل: فرجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته.
وأما الهيبة: فخوف مقارن للتعظيم والإجلال، وأكثر ما يكون مع المعرفة والمحبة.
والإجلال: تعظيم مقرون بالحب.
فالخوف لعامَّة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين، والإجلال للمقربين. وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية، كما قال -صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية"، رواه البخاري، وقال -عليه الصلاة والسلام: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا،..............
__________
المسافة، لتحصيل المطلوب، أو لأن الطلب لازم للسفر، "وأما الوجل: فرجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته".
"وأما الهيبة: فخوف مقارن للتعظيم والإجلال، وأكثر ما يكون مع المعرفة، والمحبة، والإجلال، تعظيم مقرون بالحب" وهذا الاستطرادي ذكر لتمام الصفات التي عند الصوفية؟ كالخشية؛ إذ المذكور في قوله أولًا: فاعلم ليس فيه واحد من الثلاثة، "فالخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين" وفي نسخة العاملين، "والهيبة للمحبين، والإجلال للمقربين، وعلى قدرالعلم والمعرفة يكون الخوف والخشية، كما قال -صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلمكم بالله، وأشدكم له خشية" قال العز بن عبد السلام: فيه إشكال؛ لأن الخوف والخشية حالة تنشأ عن ملاحظة شدة النقمة الممكن وقوعها بالخائف، وقد دلت القواطع على أنه -صلى الله عليه وسلم- غير معذب، وقال تعالى: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ} الآية، فكيف يتصور منه الخوف؟، فكيف أشد الخوف؟، قال: والجواب أن الذهول جائز عليه، فإذا ذهل عن موجبات نفي العقاب، حدث له الخوف، "رواه البخاري" ومسلم من حديث عائشة.
"وقال -عليه الصلاة والسلام: "لو تعلمون ما أعلم" من عظمة الله وانتقامه ممن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزع والموت، وفي القبر ويوم القيامة، "لضحكتم قليلًا" أي: لما ضحكتم أصلًا؛ إذ القليل، بمعنى العديم؛ لأن لو حرف امتناع لامتناع، وقيل معناه: لو تعلمون ما أعلم مما أعد في الجنة من النعيم، وما حفّت عليه من الحجب، لسهل عليكم ما كلفتم به، ثم إذا تأملتم ما وراء ذلك من الأمور الخطرة، وانكشاف الغطاء يوم العرض على الله، لا شتد خوفكم، فلم تضحكوا، "ولبكيتم كثيرًا" لغلبة الحزن واستيلاء الخوف؛ واستحكام الوجل.
قال الكرماني: فيه من البديع مقابلة الضحك بالبكاء، والقلة بالكثرة، ومطابقة كل منهما،

الصفحة 95