كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)

رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وفيه دلالة على اختصاصه -صلى الله عليه وسلم- بمعارف بصرية وقلبية، وقد يطلع الله عليها غيره من المخلصين من أمته, لكن بطريق الإجمال، وأما تفاصيلها فاختص بها -صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح مسلم من حديث أنس أنه -عليه الصلاة والسلام قال: "والذي نفس محمد بيده، لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا، قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: رأيت الجنة والنار".
فقد جمع الله له بين علم اليقين.................
__________
"رواه البخاري من حديث أبي هريرة" في حديث طويل.
قال في الفتح: ومناسبة كثرة البكاء، وقلة الضحك في هذا المقام واضحة، والمراد به التخويف، وقد جاء لهذا الحديث سبب، أخرجه سنيد في تفسيره بسند رواه الطبراني عن ابن عمر: خرج -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد، فإذا بقوم يتحدثون ويضحكون، فقال: "والذي نفسي بيده، لو تعلمون"، فذكره، انتهى.
"وفيه دلالة على اختصاصه -صلى الله عليه وسلم- بمعارف بصرية" كرؤية الجنة والنار وأهوالها، "وقلبية" كالأحكام التي لم يطَّلع عليها غيره، "وقد يطلع الله عليها غيره من المخلصين من أمته، لكن بطريق الإجمال، وأما تفاصيلها فاختص بها -صلى الله عليه وسلم- زيادة في كرامته، ولأنه هو الذي يحتملها.
"وفي صحيح مسلم، من حديث أنس؛ أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "والذي نفس محمد بيده لو رأيتم ما رأيت" أي: لو علمتم ما علمته من الأمور ومنه رؤية بصري وعلمي بإلهام ووحي أحوال البعث والنشور، وعذاب القبر وغير ذلك، مما لم يقع ولا يدرك بالبصر؛ "لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا" فرأى علمية، والمتبادر أنها بصرية، لأنهم "قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟، قا: "رأيت الجنة والنار"؛ إذ هو رآهما رؤية بصرية ليلة المعراج، وفي صلاة الكسوف.
وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات، والطبراني عن أبي سعيد, كنَّا يومًا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فرأيناه كئيبًا، فقال بعضنا: بأبي أنت وأمي ما سبب هذا؟ فقال: "سمعت هدة لم أسمع مثلها، فأتاني جبريل، فسألته عنها، فقال: هذه صخرة هوت من شفير جهنم منذ سبعين خريفًا، فهذا حين بلغت قعرها، فأحب أن يسمعك صوتها، فما رؤي ضاحكا بعد حتى قبضه الله تعالى"، ورواه ابن أبي الدنيا عن أنس؛ وهذا مما يؤيد حملها على العلمية، وهو أولى لشمولها للبصرية، "فقد جمع الله له بين علم اليقين" وهو قبول ما ظهر من الحق وما غاب، ويجري فيه النقل

الصفحة 96