كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 6)
وعين اليقين مع الخشية القلبية، واستحضار العظمة الإلهية على وجه لم يجتمع لغيره، ولذا قال: "إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا"، وهو في الصحيح من حديث عائشة.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء، رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحة بلفظ: كأنين الرحى، أي: خنين من الخوف -بالخاء المعجمة- وهو صوت البكاء. وقيل: هو أن يجيش جوف ويغلي بالبكاء.
وأمَّا ما روي من شجاعته.....................
__________
والاستدلال.
"وعين اليقين" وهو شهود الأشياء، كما هي كشفًا عيانًا، "مع الخشية القلبية، واستحضار العظمة الإلهية، على وجه لم يجتمع لغيره، ولذا قال: "إن أتقاكم" اسم أن "وأعلمكم بالله" عطف عليه "أنا" خبرها.
قال الحافظ: وفيه إقامة الضمير المنفصل مقام المتصل، ومنعه أكثر النحاة إلّا لضرورة، وأوَّلوا قوله، وإنما يدافع عن إحسابهم أنا أو مثلي، بأن الاستثناء مقدَّر، أي: وما يدافع إلّا أنا.
قال بعض الشراح: والحديث يشهد للجواز بلا ضرورة، "وهو في الصحيح" للبخاري "من حديث عائشة" قالت: كان -صلى الله عليه وسلم- إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يطيقون، قالوا: إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله، قد غُفِرَ لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، فغضب حتى عُرِفَ الغضب في وجهه، ثم يقول: "إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا" "وكان -صلى الله عليه وسلم- يصلي ولجوفه أزيز" بزاءين منقوطتين: صوت "كأزيز المرجل" بكسر الميم، وسكون الراء، وفتح الجيم، ولام، قِدْر من نحاس "من البكاء" لغلبة الخشية عليه، يسيل دمعه، فيسمع لجوفه ذلك، ولا يرد إن شدة البكاء في الصلاة تبطلها، لأن بكاءه لم يكن بصوت، بل تدمع عيناه حتى تهملا، كما قدمه المصنف في مبحث ضحكه.
"رواه النسائي" وأبو اود, "وابن خزيمة، وابن حبان" كلٌّ منهما "في صحيحه، بلفظ كأنين الرحى" أي: صوت كصوتها، يقال: أزَّت الرحى إذا صوتت، كما في الترغيب، "أي: خنين" بفتح الخاء المعجمة، وكسر النون، ضرب من البكاء، دون الانتحاب، كما في النهاية، "من الخوف" من الله، وقوله: "بالخاء المعجمة، وهو صوت البكاء" ضبط بقوله خنين، "وقيل: هو أن يجيش" بجيم، ومعجمة، "ويغلي بالبكاء" عطف تفسير، ففي المصباح: جاشت القدر، يجيش جيشًا، غَلَت، وقوله: بالخاء إلى هنا لفظ النهاية.
"وأمَّا ما روي من شجاعته" مثلث الشين، مصدر شجع بالضم، شجاعة، فهو شجيع،