كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 6)

الْأَوَّلِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الْبَدَلِ، أَيْ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ. وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:
وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إِلَّا الْيَعَافِيرُ «1» وَإِلَّا الْعِيسُ
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: الْمَعْنَى مَا قَتَلُوا ظَنَّهُمْ يَقِينًا، كَقَوْلِكَ: قَتَلْتُهُ عِلْمًا إِذَا عَلِمْتَهُ عِلْمًا تَامًّا، فَالْهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى الظَّنِّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى وَمَا قَتَلُوا عِيسَى يَقِينًا لَقَالَ: وَمَا قَتَلُوهُ فَقَطْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَمَا قَتَلُوا الَّذِي شُبِّهَ لَهُمْ أَنَّهُ عِيسَى يَقِينًا، فَالْوَقْفُ عَلَى هَذَا عَلَى" يَقِيناً". وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَمَا قَتَلُوا عِيسَى، وَالْوَقْفُ على" وَما قَتَلُوهُ" و" يَقِيناً" نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَفِيهِ تَقْدِيرَانِ: أَحَدُهُمَا- أَيْ قَالُوا هَذَا قَوْلًا يَقِينًا، أَوْ قَالَ اللَّهُ هَذَا قَوْلًا يَقِينًا. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ- أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَمَا عَلِمُوهُ عِلْمًا يَقِينًا. النَّحَّاسُ: إِنْ قَدَّرْتَ الْمَعْنَى بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَقِينًا فَهُوَ خَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَ" بَلْ" فِيمَا قَبْلَهَا لِضَعْفِهَا. وَأَجَازَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ الْوَقْفَ عَلَى" وَما قَتَلُوهُ" عَلَى أَنْ يُنْصَبَ" يَقِيناً" بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ هُوَ جَوَابُ الْقَسَمِ، تَقْدِيرُهُ: وَلَقَدْ صَدَّقْتُمْ يَقِينًا أَيْ صِدْقًا يَقِينًا. (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) ابْتِدَاءُ كَلَامٍ مُسْتَأْنَفٍ، أَيْ إِلَى السَّمَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُتَعَالٍ عَنِ الْمَكَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ رَفْعِهِ فِي" آلِ عِمْرَانَ" «2». (وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً) أَيْ قَوِيًّا بِالنِّقْمَةِ مِنْ الْيَهُودِ فَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ بُطْرُسَ «3» بْنَ أَسْتِيسَانُوسَ الرُّومِيَّ فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً. (حَكِيماً) حَكَمَ عَلَيْهِمْ باللعنة والغضب.

[سورة النساء (4): آية 159]
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159)
قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: الْمَعْنَى لَيُؤْمِنَنَّ بِالْمَسِيحِ" قَبْلَ مَوْتِهِ" أَيِ الْكِتَابِيِّ، فَالْهَاءُ الْأُولَى عَائِدَةٌ عَلَى عِيسَى، وَالثَّانِيةُ عَلَى الْكِتَابِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ أحد من أهل الكتاب
__________
(1). اليعافير: أولاد الظباء واحدها يعفور. والعيس بقر الوحش لبياضها والعيسي البياض وأصله في الإبل استعاره للبقر. [ ..... ]
(2). راجع ج 4 ص 99 وما بعدها
(3). في ج، ز، ك: نطوس بن أستينانوس.

الصفحة 10