كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 6)

يَتَوَقَّعُونَ عَذَابَ الْحَشْرِ. وَقِيلَ:" يَخافُونَ" يَعْلَمُونَ، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا أُنْذِرَ لِيَتْرُكَ الْمَعَاصِيَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُنْذِرَ لِيَتَّبِعَ الْحَقَّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمُرَادُ الْمُؤْمِنُونَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِالْبَعْثِ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ. وَقِيلَ: الْآيَةُ فِي الْمُشْرِكِينَ أَيْ أَنْذِرْهُمْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ (شَفِيعٌ) هَذَا رَدٌّ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي زَعْمِهِمَا أَنَّ أَبَاهُمَا يَشْفَعُ لَهُمَا حيث قالوا:" نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ"] المائدة: 18] وَالْمُشْرِكُونَ حَيْثُ جَعَلُوا أَصْنَامَهُمْ شُفَعَاءَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّ الشَّفَاعَةَ لَا تَكُونُ لِلْكُفَّارِ. وَمَنْ قَالَ الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: شَفَاعَةُ الرَّسُولِ لَهُمْ تَكُونُ بِإِذْنِ اللَّهِ فَهُوَ الشَّفِيعُ حَقِيقَةً إِذَنْ، وَفِي التَّنْزِيلِ:" وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى " «1»] الأنبياء: 28]." وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ" «2»] سبأ: 23]." مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ" «3»] البقرة: 255]. (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ الثَّبَاتُ على الايمان.

[سورة الأنعام (6): آية 52]
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ"] الْآيَةَ [«4». قَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَلَا نَرْضَى بِمُجَالَسَةِ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ- يَعْنُونَ سَلْمَانَ وَصُهَيْبًا وَبِلَالًا وَخَبَّابًا «5» - فَاطْرُدْهُمْ عَنْكَ، وَطَلَبُوا أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ بِذَلِكَ، فَهَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَدَعَا عَلِيًّا لِيَكْتُبَ، فَقَامَ الْفُقَرَاءُ وَجَلَسُوا نَاحِيَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ. وَلِهَذَا أَشَارَ سَعْدٌ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا مَالَ إِلَى ذَلِكَ طَمَعًا فِي إِسْلَامِهِمْ، وَإِسْلَامِ قَوْمِهِمْ، وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفَوِّتُ أَصْحَابَهُ شَيْئًا، وَلَا يُنْقِصُ لَهُمْ قَدْرًا، فَمَالَ إِلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ، فَنَهَاهُ عَمَّا هَمَّ بِهِ مِنَ الطَّرْدِ لَا أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّرْدَ. رَوَى مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: كنا مع النبي صلى الله
__________
(1). راجع ج 11 ص 281.
(2). راجع ج 14 ص 295. [ ..... ]
(3). راجع ج 3 ص 273.
(4). من ج، ب، ك.
(5). في ب وع وك وج وهـ: حسان.

الصفحة 431