كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 6)

وقرى" ضَلَلْتُ" بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ. قَالَ أَبُو عَمْرِو] بْنُ الْعَلَاءِ [«1»: ضَلِلْتُ بِكَسْرِ اللَّامِ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ] يَحْيَى [«2» بْنِ وَثَّابٍ وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، وَالْأُولَى هِيَ الْأَصَحُّ وَالْأَفْصَحُ، لِأَنَّهَا لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالضَّلَالُ وَالضَّلَالَةُ ضِدُّ الرَّشَادِ، وَقَدْ ضَلَلْتُ أَضِلُّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى «3» نَفْسِي"] سبأ: 50] فَهَذِهِ لُغَةُ نَجْدٍ، وَهِيَ الْفَصِيحَةُ، وَأَهْلُ الْعَالِيَةِ يقولون: ضللت بالكسر أضل.

[سورة الأنعام (6): آية 57]
قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أَيْ دَلَالَةٍ وَيَقِينٍ وَحُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، لَا عَلَى هَوًى، وَمِنْهُ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا تُبَيِّنُ الْحَقَّ وَتُظْهِرُهُ. (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَيَانِ، كَمَا قَالَ:" وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ"] النساء: 8] عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ «4». وَقِيلَ يَعُودُ عَلَى الرَّبِّ، أَيْ كَذَّبْتُمْ بِرَبِّي لِأَنَّهُ جَرَى ذِكْرُهُ. وَقِيلَ: بِالْعَذَابِ. وَقِيلَ: بِالْقُرْآنِ. وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا مَا أَنْشَدَهُ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ شَاعِرًا محسنا رضي الله عنه:
أأقعد بعد ما رَجَفَتْ عِظَامِي ... وَكَانَ الْمَوْتُ أَقْرَبَ مَا يَلِينِي

أُجَادِلُ كُلَّ مُعْتَرِضٍ خَصِيمٍ ... وَأَجْعَلُ دِينَهُ غَرَضًا لِدِينِي
فَأَتْرُكُ مَا عَلِمْتُ لِرَأْيِ غَيْرِي ... وَلَيْسَ الرَّأْيُ كَالْعِلْمِ الْيَقِينِ
وَمَا أَنَا وَالْخُصُومَةُ وَهِيَ شَيْءٌ ... يُصَرَّفُ فِي الشَّمَالِ وَفِي الْيَمِينِ
وَقَدْ سُنَّتْ لَنَا سُنَنٌ قِوَامُ ... يَلُحْنَ بِكُلِّ فَجٍّ أو وجئن «5»
وَكَانَ الْحَقُّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءٌ ... أَغَرَّ كَغُرَّةِ الفلق المبين
__________
(1). من ى، ك.
(2). من ك.
(3). راجع ج 14 ص 313.
(4). راجع ج 5 ص 50.
(5). الوجين: شط الوادي.

الصفحة 438