كتاب مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (اسم الجزء: 6)
وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُسَمُّونَ غَالِبًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «إنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمَنَا حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَا بِلِحَامٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا أَنَأْكُلُ مِنْهَا؟ فَقَالَ: اُذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَجَازَ الْأَكْلَ مَعَ الشَّكِّ، وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ سَمَّ أَوْ لَمْ يُسَمِّ» «وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ مِنَّا يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى؟ فَقَالَ: اسْمُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ» وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْبَلَاغَةُ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] لَيْسَ مَعْطُوفًا لِلتَّبَايُنِ التَّامِّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ، إذْ الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِمَكَانِ الْوَاوِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ حَالِيَّةً فَتَقَيَّدَ النَّهْيُ بِحَالِ كَوْنِ الذَّبْحِ فِسْقًا.
وَالْفِسْقُ فِي الذَّبِيحَةِ مُفَسَّرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَجُوسَ الْفُرْسِ قَالُوا لِقُرَيْشٍ: تَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وَأَمَّا نَحْوُ خَبَرِ أَبِي ثَعْلَبَةَ «فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، ثُمَّ كُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، ثُمَّ كُلْ» فَأَجَابُوا عَنْهُ بِحَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ سَنُّ التَّسْمِيَةِ بِالذَّبْحِ، بَلْ تُسَنُّ عِنْدَ إرْسَالِ السَّهْمِ وَالْجَارِحَةِ إلَى صَيْدٍ، وَلَوْ عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِالسَّهْمِ، وَالْعَضِّ مِنْ الْجَارِحَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ، بَلْ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ اسْتِحْبَابَهَا عِنْدَ صَيْدِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ، وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَرْكِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقُولَ فِي التَّسْمِيَةِ: " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ خُصُوصُ هَذَا اللَّفْظِ، بَلْ لَوْ قَالَ: " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " كَانَ حَسَنًا، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: " فَإِنْ زَادَ شَيْئًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَالزِّيَادَةُ خَيْرٌ " فَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيُسَنُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ يُكَبِّرَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَبَعْدَهَا ثَلَاثًا، وَأَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك " (وَ) أَنْ (يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عِنْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ شُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ
الصفحة 106