كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 6)

وقال أبو حَيَّانَ - أيضاً -: «وقال ابنُ عِيسَى وغيره، اللامُ متعلِّقة بالكون، أي: لا تكونوا كهؤلاء، ليجعل الله ذلك حَسْرَةً في قلوبهم دونكم، ومنه اخذ الزمخشريُّ قوله، لكن ابن عيسى نَصَّ على ما تتعلق به اللام، وذاك لم ينص، وقد بينَّا فساد هذا القول» .
وقوله: وذاك لم ينص، بل قد نَصَّ، فإنه قال: فإن قُلْتَ: ما متعلق {لِيَجْعَلَ} ؟ قلت: {َقَالُواْ} أو {لاَ تَكُونُواْ} . وأيُّ نَصٍّ أظهرُ من هذا؟ ولا يجوز تعلق اللام - ومعناها التعليل - ب {قَالُواْ} لفساد المعنى؛ لأنهم لم يقولوه لذلك، بل لتثبيط المؤمنين عن الجهاد.
وعلى القول الثاني - أعني: كونها للعاقبة تتعلق ب {قَالُواْ} والمعنى: أنهم قالوا ذلك لغرض من أغراضهم، فكان عاقبة قولهم، ومصيره إلى الحسرة، والندامة، كقوله تعالى: {فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} [القصص: 8] وهم لم يلتقطوه لذلك، ولكن كان مآله لذلك. ولكن كونها للصيرورة لم يعرفه أكثر النحويين، وإنما هو شيءُ ينسبونه للأخفش، وما ورد من ذلك يؤولونه على العكس من الكلام، نحو: {فَبَشِّرْهُم} [آل عمران: 21] وهذا رأي الزمخشري؛ فإنه شبه هذه اللام باللام في {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} [القصص: 8] ومذهبه في تلك أنها للعلة - بالتأويل المذكور والجَعْلُ - هنا - بمعنى التَّصْييرِ.
فصل
اختلفوا في المشار إليه ب «ذَلِكَ» : فعن الزَّجاجِ هو الظَّنُّ، ظنوا أنهم لو لم يحضروا لم يُقْتَلُوا.
وقال الزمخشريُّ ما معناه: الإشارة إلى النطق والاعتقاد بالقول.
وقريب منه قول ابن عطيةَ: «الإشارة بذلك إلى هذا المعتقد الذي لهم» .
وقال ابنُ عَطِيَّة - أيضاً -: ويحتمل عندي - أن تكونَ الإشارةُ إلى النهي والانتهاء معاً، فتأمله «.
وقيل: هو المصدر المفهوم من {قَالُواْ} ، و {حَسْرَةً} مفعول ثانٍ، و {فِي قُلُوبِهِمْ} يجوز أن يتعلق بالجَعْل - وهو أبلغ - أو بمحذوف على أنه صفة للنكرة قبله.
فصل
ذكروا - في بيان ذلك القول حَسْرَةً في قلوبهم - وجوهاً:
الأول: أن أقارب ذلك المقتول إذا سمعوا هذا الكلام ازدادت الحسرة في قلوبهم؛ لأن أحدهم يعتقد أنه لو بالغ في مَنعه عن ذلك السفر، او الغزو، لبقي، فذلك الشخص إنما مات، أو قُتِلَ بسبب أن هذا الإنسان قَصَّر في مَنْعه، فيعتقد السامعُ لهذا الكلام أنه هو الذي تسبب في مَوْت ذلك الشخص العزيز عليه، أو قتله، ومتى اعتقد في نفسه ذلك،

الصفحة 10