كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 6)

وثق به، {إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين} وهذا جارٍ مجرى العلةِ الباعثةِ على التوكُّل عند الأخذ في كل الأمورِ، وهذه الآية تدل على أنه ليس التوكُّلُ أن يُهْمِل نفسه - كقول بعض الجُهَّال - وإلا لكان الأمرُ بالمشاورة منافياً [للأمر بالتوكل] ، بل التوكلُ هو أن يراعيَ الإنسانُ الأسبابَ الظاهرةَ، ولكن لا يعوِّل بقلبه عليها، بل يعوِّل على عصمة الحقِّ.
فصل
التوكلُ: الاعتماد على الله تعالى مع إظهار العجزِ، والاسم: التُّكْلان، يقال منه: اتكلت عليه في أمري وأصله، اوتَكَلْتُ، قُلِبت الواو ياء، لانكسار ما قبلها، ثم أُبْدِلت منها التاء، وأدغمت في تاء الافتعال، ويقال: وكَّلْته بأمري توكيلاً، والاسم: الوكَالة - بكسر الواو وفتحها -.
قوله: {إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} شرطٌ وجوابه، وكذلك قوله: {وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الذي} وهذا التفات من الغيبة إلى الخطاب - كذا قوله أبو حيان. يعني من الغيبة في قوله: {لِنتَ لَهُمْ} وقوله: {لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} وقوله: {فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر} قال شهاب الدين: وفيه نظر. وجاء قوله: {فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} جواباً للشرطِ، وهو نفيٌ صريحٌ، وقوله: {فَمَن ذَا الذي} - وهو متضمن للنفي - جوابٌ للشرط الثاني، تلطفاً بالمؤمنين، حيث صرح لهم بعدم الغلبة في الأول، ولم يصرح لهم بأنه لا ناصر لهم في الثاني بل أتى به في صورة الاستفهام - وإن كان معناه نفياً.
وقوله: {فَمَن ذَا الذي} قد تقدم مثله في البقرة.
والهاء - في قوله: {مِّنْ بَعْدِهِ} - فيها وجهان:
أحدهما - وهو الأظهر -: أنها تعود على «الله» تعالى، وفيه احتمالانِ:
الأول: أن يكون ذلك على حذف مضاف، أي: من بعد خذلانه.
الثاني: إنه يحتاج إلى ذلك، ويكون معنى الكلامِ: إنكم إذا جاوزتموه إلى غيره، - وقد خذلكم - فمن يجاوزه إليه وينصركم؟
ثانيهما: أن يعود على الخذلان المفهوم من الفعلن وهو نظيرُ قوله: {اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى} [المائدة: 8] .
قوله: {إِن يَنصُرْكُمُ الله} يعنكم ويمنعكم من عدوكم {فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} مثل يوم بدر {وَإِن يَخْذُلْكُمْ} يترككم كما أن بأُحُدٍ - لم ينصركم أحَدٌ. والخذلان: القعود عن

الصفحة 21