كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 6)

واختلفوا في {الَّذِينَ كَفَرُواْ} فقيل: هل هو كافر يقول هكذا.
وقيل: إنه مخصوصٌ بالمنافقين؛ لأن هذه الآيات في شرح أحوالهم.
وقيل: مختصة بعبد الله بن أبيّ ابن مسلول ومعتب بن قُشَير، وسائر أصحابهما.
قوله: {لإِخْوَانِهِمْ} قال الزمخشريُّ: «لأجل إخوانكم» . وهذا يدل على أن أولئك الإخوان كانوا مَيِّتين عند هذا القول ويُحْتمل ان يكونَ المراد منه الأخوة في النسب، كقوله تعالى: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} [الأعراف: 65] ويكون المقتولون من المسلمين كانوا من أقارب المنافقين، فقال المنافقونَ هذا الكلام، بعد أن قُتِلَ بعضهم في بعض الغزوات.
قوله: {إِذَا ضَرَبُواْ} «إذا» ظرف مستقبل، فلذلك اضطربت أقوالُ المعربين - هنا - من حيثُ إن العامل فيها {قَالُواْ} - وهو ماضٍ - فقال الزمخشريُّ: «فإن قُلْتَ: كيف قيل: {إِذَا ضَرَبُواْ} مع» قالوا «؟ قلت: هو حكاية حال ماضية، كقولك: حين يضربون في الأرض» .
وقال أبو البقاء بعد قول قريب من قول الزمخشريِّ: «ويجوز أن يكون {كَفَرُواْ} و {قَالُواْ} ماضيين، يُراد بهما المستقبل المحكي به الحال فعلى هذا يكون التقدير: يكفرون، ويقولون لإخوانهم» . انتهى.
ففي كلا الوجهين حكاية حال، لكن في الأول حكاية حال ماضية، وفي الثاني مستقبلة، وهو - من هذه الحيثية - كقوله تعالى: {حتى يَقُولَ الرسول والذين آمَنُواْ مَعَهُ} [البقرة: 214] . ويجوز أن يراد بها الاستقبال، لا على سبيل الحكاية، بل لوقوعه صلة لموصول، وقد نصَّ بعضهم على أن الماضي - إذا وقع صلة لموصول - صلح للاستقبال، كقوله: {إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] . وإلى هذا نحا ابنُ عطيةَ، وقال: «دخلت» إذا «وهي حرفُ استقبالٍ - من حيثُ» الذين «اسم فيه إبهام، يعم مَنْ قال في الماضي، ومَنْ يقول في الاستقبال، ومن حيثُ هذه النازلة تتصور في مستقبل الزمان» يعني: فتكون حكاية حالٍ مستقبلة.
قال ابن الخَطِيبِ: إنما عَبَّرَ عن المستقبل بلفظ الماضي لفائدتين:
إحداهما: أن الشيء الذي يكون لازم الحصول في المستقبل، قد يُعَبَّر عنه بأنه حَدَث، أو هو حادث، قال تعالى: {أتى أَمْرُ الله} [النحل: 1] وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ} [الزمر: 30] فهنا لو وقع التعبير عنه بلفظ المستقبل لم يكن فيه ذلك المعنى، فلما وقع

الصفحة 6