كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 6)

التعبير عنه بلفظ الماضي، دلَّ على أن جِدَّهم واجتهادهم في تقرير الشبهة قد بلغ الغاية، فصار بسبب ذلك الجد، هذا المستقبل كالواقع.
الثانية: أنه - تعالى - لما عبر عن المستقبل بلفظ الماضي، دلَّ ذلك على أنه ليس المقصود الإخبار عن صدور هذا الكلام، بل المقصود الإخبار عن جِدِّهم واجتهادهم في تقرير هذه الشُّبْهَةِ «.
وقدَّر أبو حيّان: مضافاً محذوفاً وهو عامل في» إذا «تقديره: وقالوا لهلاك إخوانهم، أي: مخافة أن يهلك إخوانهم إذا سافروا، أو غَزَوْا، فقدَّر العامل مصدراً مُنْحَلاًّ لِ» أن «والمضارع، حتى يكون مستقبلاً، قال: لكن يكون الضمير في قوله: {لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا} عائداً على {لإِخْوَانِهِمْ} لفظاً، وعلى غيرهم معنى - أي: يعود على إخوان آخرين، وهم الذين تَقَدَّمَ موتُهم بسبب سفرٍ، أو غزو، وقَصْدُهُمْ بذلك تثبيطُ الباقين - وهو مثل قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} [فاطر: 11] وقول العربِ: عندي درهم ونِصْفُه.
وقول الشاعرِ: [البسيط]
1673 - قَالَتْ: ألاَ لَيْتَما هَذَا الحَمَامُ لَنَا ... إلَى حَمَامَتِنَا، أو نِصْفُهُ فَقَدِ
المعنى: من معمر آخر، ونصف درهم آخر، ونصف حمام آخرَ.
وقال قُطربٌ: كلة» إذْ «و» إذا «يجوز إقامة كل واحد منهما مُقَامَ الأخْرَى، فيكون» إذا «هنا بمعنى» إذْ «.
قال بعضهم: وهذا ليس بشيء.
قال ابن الخَطِيبِ:» أقول: هذا - الذي قاله قُطْرُبٌ - كلامٌ حسنٌ، وذلك لأنا جوَّزْنا إثبات اللغة بشعرٍ مجهولٍ، فنقول عن قائل مجهول، فلأنْ يُجَوَّزَ إثباتها بالقرآن العظيم كان ذلك اولى، أقصى ما في الباب أن يقال: «إذا» حقيقة في المستقبل، ولكن لم لا يجوز استعماله في الماضي على سبيل المجازِ، لما بينه وبين كلمة «إذْ» من المشابهة الشديدة، وكثيراً أرى النحويين يتحيَّرون في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن، فإذا استشهدوا في تقريره ببيت مجهولٍ فَرِحوا به، وأنا شديدُ التعجُّب منهم؛ فإنهم إذا جعلوا ورودَ القرآنِ به دليلاً على صحته كان أولى «.
قوله: {أَوْ كَانُواْ غُزًّى} - بالتشديد - جمع غازٍ - كالرُّكَّع والسُّجَّد - جمع راكع وساجد - وقياسه: غُزَاة كرام ورُمَاة - ولكنهم جملوا المعتل على الصحيح، في نحو ضارب وضُرَّب، وصائم وصُوَّم.

الصفحة 7