كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 6)

كَمَا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ قَدْ رَوَاهُ زَكَرِيَّا عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ: «أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ عِنْدِي شَاةً خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ؟ قَالَ: ضَحِّ بِهَا فَإِنَّهَا خَيْرُ نَسِيكَةٍ» وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا «لَا تُجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» .
وَكَذَلِكَ رِوَايَتُنَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي جَذَعَةٌ هِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ أَفَأَذْبَحُهَا؟ فَرَخَّصَ لَهُ» .
قَالَ أَنَسٌ: فَلَا أَدْرِي أَبْلَغَتْ رُخْصَةٌ مِنْ سِوَاهُ أَمْ لَا؟ فَلَمْ يَجْعَلْ الْمُخَالِفُونَ سُكُوتَ زَكَرِيَّا عَمَّا زَادَهُ غَيْرُهُ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ خُصُوصٌ، وَلَا سُكُوتَ أَنَسٍ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا - وَمَغِيبُ ذَلِكَ عَنْهُ حُجَّةٌ فِي رَدِّ الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا غَيْرُهُمَا فَمَا الَّذِي جَعَلَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَاجِبًا أَخْذُهَا، وَزِيَادَةُ مَنْ زَادَ لَفْظَةَ " الْجَذَعَةِ " لَا يَجِبُ أَخْذُهَا؟ إنَّ هَذَا لَتَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ يُمْكِنُ أَنْ يُشْغَبَ بِهِ، وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ قَعَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعِيرِهِ وَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا؟ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ؟ قَالُوا: بَلَى ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ انْكَفَأَ إلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَإِلَى جَذِيعَةٍ مِنْ الْغَنَمِ فَقَسَّمَهَا بَيْنَنَا» .
قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ إيَّاهَا لِيُضَحُّوا بِهَا، وَلَا أَنَّهُمْ ضَحَّوْا بِهَا وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ، وَالْكَذِبُ لَا يَحِلُّ.

وَأَيْضًا فَاسْمُ الْغَنَمِ يَقَعُ عَلَى الْمَاعِزِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الضَّأْنِ، فَإِنْ كَانَ حُجَّةً لَهُمْ فِي إبَاحَةِ التَّضْحِيَةِ بِالْجِذَاعِ مِنْ الضَّأْنِ فَهُوَ حُجَّةٌ فِي إبَاحَةِ التَّضْحِيَةِ بِالْجِذَاعِ مِنْ الْمَعْزِ، وَإِنْ

الصفحة 19