كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 6)

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَمُنْقَطِعَةٌ، وَالْأُخْرَى وَاهِيَةٌ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا الْمَنْعُ مِنْ التَّضْحِيَةِ بِالْجَذَعِ مِنْ الْمَاعِزِ وَلَا مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكُنَّا قَدْ رُوِّينَا عَنْهُ خِلَافَهَا كَمَا قَدَّمْنَا قَبْلُ، وَإِذَا وُجِدَ خِلَافٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَالْوَاجِبُ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ إلَّا اخْتِيَارُ الضَّأْنِ عَلَى الْمَاعِزِ فَقَطْ وَالْمَنْعُ مِمَّا دُونَ الثَّنِيِّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَقَطْ لَا مِنْ الْمَاعِزِ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ قَبْلُ خِلَافَ هَذَا كَمَا أَوْرَدْنَا فَهُوَ اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذَا جَاءَ الِاخْتِلَافُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَدْ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّمَا فِيهَا اخْتِيَارُ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ وَلَيْسَ فِيهَا الْمَنْعُ مِنْ الْجَذَعِ مِنْ غَيْرِ الضَّأْنِ، وَكَذَلِكَ عَنْ سَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَكَيْفَ وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَكَمْ قِصَّةً خَالَفُوا فِيهَا جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ؟ كَمَا ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ مَا مَسْأَلَةٍ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الرِّوَايَةَ صَحَّتْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: بِأَنَّ الْعُمْرَةَ فَرْضٌ كَالْحَجِّ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافٌ لَهُمْ؛ فَجَعَلُوا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» فَذَكَرَ فِيهِنَّ الْحَجَّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعُمْرَةَ خِلَافًا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ لَا يَجْعَلُونَ تَصْرِيحَهُ بِأَنَّ مَا دُونَ الْجَذَعِ لَا يُجْزِي خِلَافًا فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ أَشَارَ قَوْمٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنْ يُضَحَّى بِالْجَذَعِ مِنْ الْمَاعِزِ، وَبِالْجَذَعِ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، كَمَا نُورِدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَجَاءَتْ بِذَلِكَ آثَارٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُورِدُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَرَى مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ أَصْلًا فِي إجَازَتِهِمْ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ وَمَنْعِهِمْ مِنْ الْجَذَعِ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْمَاعِزِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عُمَارَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَعْمَةَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدِ الْجُهَنِيِّ قَالَ

الصفحة 24