كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 6)
«مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» حَدِيثٌ شَرِيفٌ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْفَرَائِضِ أَيْ مَسَائِلُ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ: أَيْ مُقَدَّرَةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ فَغَلَبَتْ عَلَى غَيْرِهَا. وَالْفَرْضُ لُغَةً التَّقْدِيرُ، وَيَرِدُ بِمَعْنَى الْقَطْعِ وَالتَّبْيِينِ وَالْإِنْزَالِ وَالْإِحْلَالِ وَالْعَطَاءِ. وَشَرْعًا هُنَا نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ لِلْوَارِثِ. وَتَعْرِيفُ هَذَا الْعِلْمِ هُوَ الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ وَالْعِلْمُ الْمُوَصِّلُ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ مَا يَجِبُ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ مِنْ التَّرِكَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتُ الْمَوَارِيثِ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» .
وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " ذَكَرٍ " بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّجُلِ هُنَا مَا قَابَلَ الْمَرْأَةَ، فَيَشْمَلُ الصَّبِيَّ لَا مَا قَابَلَ الصَّبِيَّ الْمُخْتَصَّ بِالْبَالِغِ، وَوَرَدَ فِي الْحَثِّ عَلَى تَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمِهَا أَخْبَارٌ مِنْهَا مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَإِنَّ هَذَا الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي فَرِيضَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــSكِتَابُ الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ: أَيْ مُقَدَّرَةٍ) فَسَّرَهُ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ مُشْتَرَكٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَيَرِدُ بِمَعْنَى إلَخْ؛ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ (قَوْلُهُ: فَغَلَبَتْ عَلَى غَيْرِهَا) لِفَضْلِهَا بِتَقْدِيرِ الشَّارِعِ لَهَا وَلِكَثْرَتِهَا انْتَهَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَيَرِدُ بِمَعْنَى الْقَطْعِ) أَيْ لُغَةً (قَوْلُهُ: وَالْإِنْزَالُ) وَمِنْهُ {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} [القصص: 85] الْآيَةَ (قَوْلُهُ: وَالْإِحْلَالُ) أَيْ الْإِبَاحَةُ (قَوْلُهُ: مُقَدَّرٌ لِلْوَارِثِ) أَيْ لَا يَزِيدُ إلَّا بِالرَّدِّ وَلَا يَنْقُصُ إلَّا بِالْعَوْلِ (قَوْلُهُ: وَالْعِلْمُ الْمُوَصِّلُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ الْمُوَصِّلَ لِمَا ذَكَرَ هُوَ عَيْنُ الْفِقْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ تَفْسِيرِيًّا بِحَمْلِ الْفِقْهِ عَلَى مَعْرِفَةِ أَنَّ لِلْبِنْتِ إذَا انْفَرَدَتْ النِّصْفَ وَلَا يَلْزَمُ مَعْرِفَةُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ إلَّا بِالْحِسَابِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْمَسَائِلِ وَتَصْحِيحِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ شَامِلٌ لِقَوْلِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ، وَمَعْرِفَةُ الْحِسَابِ الْمُوَصِّلِ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: فَلِأَوْلَى رَجُلٍ) أَيْ أَقْرَبَ انْتَهَى حَجّ وَأَرَادَ بِالْأَقْرَبِ مَا يَشْمَلُ الْأَقْوَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْفَرَائِضِ]
ِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْضُ لُغَةً التَّقْدِيرُ وَيَرِدُ بِمَعْنَى الْقَطْعِ إلَخْ) ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي التَّقْدِيرِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ، أَوْ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي وَاسْتِعْمَالُهُ فِي التَّقْدِيرِ أَكْثَرُ. وَعِبَارَةُ وَالِدِهِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ الْمَعَانِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ بِشَوَاهِدِهَا مَعَ زِيَادَةٍ نَصُّهَا: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْمَعَانِي، أَوْ فِي
الصفحة 3
480