كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 6)
فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَقْضِي بَيْنَهُمَا» وَوَرَدَ أَنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَأَنَّهُ يُنْسَى وَأَنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ الْأُمَّةِ: أَيْ بِمَوْتِ أَهْلِهِ، وَسُمِّيَ نِصْفًا لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَوْتِ الْمُقَابِلِ لِلْحَيَاةِ، وَقِيلَ النِّصْفُ بِمَعْنَى الصِّنْفِ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا مِتَّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي كُنْت أَصْنَعُ
وَهُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُلْزِمُ الْمَثْنَى الْأَلِفَ مُطْلَقًا أَوْ اسْمُ كَانَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفًا، وَالنَّاسُ مُبْتَدَأٌ وَنِصْفَانِ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ، وَالْمُرَادُ بِالنِّصْفِ الشَّطْرُ لَا خُصُوصُ النِّصْفِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ يَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ عُلُومٍ: عِلْمِ الْفَتْوَى بِأَنْ يَعْلَمَ نَصِيبَ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّرِكَةِ، وَعِلْمِ النَّسَبِ بِأَنْ يَعْلَمَ الْوَارِثَ مِنْ الْمَيِّتِ بِالنَّسَبِ وَكَيْفِيَّةَ انْتِسَابِهِ لِلْمَيِّتِ، وَعِلْمِ الْحِسَابِ بِأَنْ يَعْلَمَ مِنْ أَيِّ حِسَابٍ تَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ، وَحَقِيقَةُ مُطْلَقِ الْحِسَابِ أَنَّهُ عِلْمٌ بِكَيْفِيَّةِ التَّصَرُّفِ فِي عَدَدٍ لِاسْتِخْرَاجِ مَجْهُولٍ مِنْ مَعْلُومٍ (يَبْدَأُ) وُجُوبًا (مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) وَهِيَ مَا يُخَلِّفُهُ مِنْ حَقٍّ كَجِنَايَةٍ وَحَدِّ قَذْفٍ أَوْ اخْتِصَاصٍ أَوْ مَالٍ كَخَمْرٍ تَخَلَّلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَدِيَةٍ أُخِذَتْ مِنْ قَاتِلِهِ لِدُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ، وَكَذَا مَا وَقَعَ بِشَبَكَةٍ نَصَبَهَا فِي حَيَاتِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَمَا نُظِرَ بِهِ مِنْ انْتِقَالِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِلْوَرَثَةِ، فَالْوَاقِعُ بِهَا مِنْ زَوَائِدِ التَّرِكَةِ، وَهِيَ مِلْكُهُمْ رُدَّ بِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ نَصْبُهُ لِلشَّبَكَةِ لَا هِيَ، وَإِذَا اسْتَنَدَ الْمِلْكُ لِفِعْلِهِ كَانَ تَرِكَةً، وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّنْ عَاشَ بَعْدَ مَوْتِهِ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِتَبَيُّنِ بَقَاءِ مِلْكِهِ لِتَرِكَتِهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِحْيَاءِ تَبَيَّنَ عَدَمُ مَوْتِهِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الْفَرْضِ فِي السُّؤَالِ إذْ لَا تُوجَدُ الْمُعْجِزَةُ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ تَحَقُّقِهِ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا وُجِدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يُنْسَى) أَيْ أَنَّهُ أَكْثَرُ نِسْيَانًا مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ أَنَّهُ يُنْسَى بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ لِأَحَدٍ بِهِ شُعُورٌ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِلُ فِي النِّسْيَانِ إلَى هَذَا الْحَدِّ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ الْأُمَّةِ) هُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ عَلَى مَا فِي حَجّ «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَهُوَ يُنْسَى وَهُوَ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» وَقَالَ: إنَّهُ ضَعِيفٌ اهـ وَلَعَلَّ هَذَا حِكْمَةُ الْمُغَايَرَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ هُنَا: وَرَدَ أَنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ إلَخْ، وَفِيمَا قَبْلَهُ مِنْهَا مَا صَحَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَآخَرُ مُثْنٍ) فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ لحج بَدَلَ وَآخَرُ بِمَوْتَى وَمُثْنٍ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالنِّصْفِ إلَخْ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِأَوْ لِيَكُونَ جَوَابًا آخَرَ، وَعَلَى مَا فِي الْأَصْلِ فَلَعَلَّهُ تَفْسِيرٌ لِلنِّصْفِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ التَّرِكَةُ مَا يُخَلِّفُهُ مِنْ حَقٍّ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ التَّجْهِيزُ وَلَا قَضَاءُ الدُّيُونِ كَحَدِّ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ: أَوْ اخْتِصَاصٌ) اُنْظُرْ لَوْ كَانَ لِمَا يُؤْخَذُ فِي مُقَابَلَةِ رَفْعِ الْيَدِ عَنْهَا وَقْعٌ هَلْ يُكَلَّفُ الْوَارِثُ ذَلِكَ وَتُوَفَّى مِنْهُ دُيُونُهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَنَظِيرُهُ مَا قِيلَ إنَّ الْمُفْلِسَ إذَا كَانَ بِيَدِهِ وَظَائِفُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَخْذِ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ النُّزُولِ عَنْهَا كُلِّفَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: كَخَمْرٍ تَخَلَّلَتْ) أَيْ فَإِنْ لَمْ تَتَخَلَّلْ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الِاخْتِصَاصِ وَقَدْ مَرَّ (قَوْلُهُ: وَدِيَةٌ أُخِذَتْ مِنْ قَاتِلِهِ) أَيْ سَوَاءٌ وَجَبَتْ ابْتِدَاءً كَدِيَةِ الْخَطَأِ أَوْ بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَفْوُ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ (قَوْلُهُ: عَمَّنْ عَاشَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَخْ) هَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ فَيَكُونُ مَقُولًا عَلَيْهَا بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ بِالتَّوَاطُؤِ وَأَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْقَطْعِ مَجَازًا فِي غَيْرِهِ لِتَصْرِيحِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ بِأَنَّهُ أَصْلُهُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا يَخْلُفُهُ مِنْ حَقٍّ إلَخْ) أَيْ وَلَا يُنَافِي هَذَا التَّفْسِيرُ مَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا الْأُمُورُ الْآتِيَةُ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى مَبْدَأُ الْإِخْرَاجِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِمَّا يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ وَهُوَ الْأَمْوَالُ فَلَا يَضُرُّ اشْتِمَالُهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَالْبَعْضُ الَّذِي يُخْرَجُ مِنْهُ هُوَ الْمَالُ، لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ تَقْدِيمِ الْمُؤَنِ، وَالدَّيْنِ، وَالْوَصِيَّةِ عَلَى اسْتِيفَاءِ نَحْوِ حَدِّ قَذْفٍ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ اسْتِيفَائِهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْأَوْلَى الْجَوَابُ بِأَنَّ فِيهِ شَبَهَ اسْتِخْدَامٍ، فَالْمُعَرَّفُ مُطْلَقُ التَّرِكَةِ لَا خُصُوصُ مَا يُخْرَجُ مِنْهُ ذَلِكَ.
الصفحة 4
480