كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 6)
الْإِحْيَاءُ كَانَتْ هَذِهِ حَيَاةً جَدِيدَةً مُبْتَدَأَةً بِلَا تَبَيُّنِ عَوْدِ مِلْكٍ وَيَلْزَمُهُ أَنَّ نِسَاءَهُ لَوْ تَزَوَّجْنَ أَنْ يُعَدْنَ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَبْقَى نِكَاحُهُنَّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ وَالْعِصْمَةِ مُحَقَّقٌ وَعَوْدَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَيُسْتَصْحَبُ زَوَالُهُ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعَوْدِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ فَوَجَبَ الْبَقَاءُ مَعَ الْأَصْلِ، وَسَيَأْتِي فِي الصَّدَاقِ حُكْمُ الْمَمْسُوخِ جَمَادًا أَوْ حَيَوَانًا بِالنِّسْبَةِ لِمُخَلِّفِهِ وَغَيْرِهِ (بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ) وَلَوْ كَافِرًا مِنْ كَفَنٍ وَأُجْرَةِ غُسْلٍ وَحَمْلٍ وَحَفْرٍ وَطَمٍّ وَحَنُوطٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ لِاحْتِيَاجِهِ لِذَلِكَ كَالْمُفْلِسِ، بَلْ أَوْلَى لِانْقِطَاعِ كَسْبِهِ بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ إسْرَافِهِ وَتَقْتِيرِهِ، وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ أَنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةَ تَجْهِيزِ عَبْدِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَزَوْجَتِهِ غَيْرِ النَّاشِزَةِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ لَهَا تَرِكَةٌ وَلَوْ اجْتَمَعَ مَعَهُ مُمَوَّنُهُ وَلَمْ تَفِ تَرِكَتُهُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا فَالْأَوْجَهُ تَقْدِيمُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSيَتَبَيَّنُ عَدَمُ خُرُوجِ التَّرِكَةِ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ الْبَقَاءُ مَعَ الْأَصْلِ) هُوَ مَوْتُهُ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَيَاةِ هَلْ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَيَاةِ الْأُولَى مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى قَاتِلِهِ الْمُكَافِئِ لَهُ وَوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ زَنَى بِهِ لَوْ كَانَ امْرَأَةً وَالْمَهْرُ لَهَا وَتَجْهِيزُهُ بِالْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ وَسَائِرُ الْأَحْكَامِ، أَوْ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلْحَاقًا لِهَذِهِ الْحَيَاةِ بِالْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ وَاسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الْمَوْتِ كَحَيَاةِ الشَّهِيدِ، أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَيَاةِ الْعَائِدَةِ مُسْتَمِرَّةً أَمْ لَا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَغَيْرِهَا فَيُعْطِي حُكْمُ الْأَحْيَاءِ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ قِيلَ بِهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَتُجْعَلُ هَذِهِ الْحَيَاةُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا يَنْقَطِعُ بِهَا حُكْمُ الْبَرْزَخِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قِيلَ فِي أَبَوَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُمَا أُحْيِيَا لَهُ وَآمَنَا بِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَيْهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا غَسَّلَهُمَا.
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ الْحَدِيثِيَّةِ فِي آخِرِ الْجَوَابِ عَمَّا لَوْ مَاتَ شَخْصٌ ثُمَّ أَحْيَاهُ اللَّهُ إلَخْ مَا نَصُّهُ: وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوَاعِدِ شَرْعِنَا كَمَا قَرَرْته أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ الْمُتَيَقَّنِ: أَيْ بِإِخْبَارِ نَحْوِ مَعْصُومٍ كَمَا قَدَّمَهُ، وَإِنْ لَمْ يُتَيَقَّنْ مَوْتُهُ حَكَمْنَا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ بِهِ غَشْيٌ أَوْ نَحْوُهُ. اهـ. وَيُوَافِقُ مَا فِي الْفَتَاوَى قَوْلُ الشَّارِحِ إذْ لَا تُوجَدُ الْمُعْجِزَةُ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمَوْتِ، هَذَا وَنُقِلَ عَنْ خَطِّ شَيْخِنَا الشَّوْبَرِيِّ مَا صُورَتُهُ مُنَازِعَةٌ لِلْفَتَاوَى قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُدِيرَ عَلَيْهَا حُكْمًا، وَقَوْلُهُ: قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ لِحَيَاتِهِ أَثَرٌ كِلَاهُمَا صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَجْهِيزُهُ ثَانِيًا، وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ شَيْخِ مَشَايِخِنَا.
[فَرْعٌ] لَوْ مَاتَ إنْسَانٌ مَوْتًا حَقِيقِيًّا وَجُهِّزَ ثُمَّ أُحْيِيَ حَيَاةً حَقِيقَةً ثُمَّ مَاتَ فَالْوَجْهُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ تَجْهِيزٌ آخَرُ خِلَافًا لِمَا تُوُهِّمَ. اهـ. وَقَدْ كُنْت أَتَوَقَّفُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ كَثِيرًا لِمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْجَوَابِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ خَارِقَةً لِلْعَادَةِ حَتَّى وَقَفْت عَلَى هَذَا الْجَوَابِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ.
قَالَ: وَفِي الْبَحْرِ لِلزَّرْكَشِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: اُخْتُلِفَ فِي بَقَاءِ تَكْلِيفِ مَنْ أُعِيدَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقِيلَ يَبْقَى لِئَلَّا يَخْلُوَ عَاقِلٌ عَنْ تَعَبُّدٍ، وَقِيلَ يَسْقُطُ فَالتَّكْلِيفُ مُعْتَبَرٌ بِالِاسْتِدْلَالِ دُونَ الِاضْطِرَارِ. اهـ. وَهُوَ غَرِيبٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِهِ: إذَا جَازَ تَكْلِيفُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ أَهْلِ الْآخِرَةِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْآخِرَةِ الِاضْطِرَارُ إلَى الْمَعْرِفَةِ وَبَعْدَ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ لَا تَكْلِيفَ وَأَهْلُ الصَّاعِقَةِ يَجُوزُ كَوْنُهُ تَعَالَى لَمْ يَضْطَرَّهُمْ فَصَحَّ تَكْلِيفُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ.
قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: الْحَقُّ أَنَّ الْآيَاتِ الْمُضْطَرَّةَ لَا تَمْنَعُ التَّكْلِيفَ، وَقَدْ أَبَوْا أَخْذَ الْكِتَابِ فَرَفَعَ الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ فَآمَنُوا وَقَبِلُوهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي هَذَا آيَةً مُضْطَرَّةً. وَقَوْلُ الرَّازِيّ بَعُدَ التَّكْلِيفُ فِي الْآخِرَةِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ فِي الْآخِرَةِ بَاقٍ فِيهَا، وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ يُؤَجَّجُ نَارٌ وَيُؤْمَرُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَمَنْ أَقْبَلَ عَلَى ذَلِكَ صُرِفَ عَنْهَا وَهَذَا تَكْلِيفٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُمْ الْآخِرَةُ دَارُ جَزَاءٍ وَالدُّنْيَا دَارُ تَكْلِيفٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَغْلَبِ فِي كُلٍّ، وَأَنَّ فِي الْآخِرَةِ التَّكْلِيفَ كَمَا فِي الدُّنْيَا الْجَزَاءَ. اهـ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَافِرًا) أَيْ غَيْرَ حَرْبِيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ تَجْهِيزُهُ، بَلْ يَجُوزُ إغْرَاءُ الْكِلَابِ عَلَى جِيفَتِهِ، بَلْ يَحْرُمُ تَجْهِيزُهُ مِمَّا خَلَّفَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَيْئًا (قَوْلُهُ: لِاحْتِيَاجِهِ لِذَلِكَ) عِلَّةٌ لِلْبُدَاءَةِ بِمُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ (قَوْلُهُ: فَالْأَوْجَهُ تَقْدِيمُهُ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الصفحة 5
480