كتاب تفسير القاسمي = محاسن التأويل (اسم الجزء: 6)

مجرد مسّ آلهتهم. كما قالوا نؤمن بك إن تمس آلهتنا.، وما التمسوا منه إلا التمتيع باللات سنة من غير عبادة، فتوعد بهذا الوعيد الشديد والتهديد الأكيد أن لو ركن إليهم. فالرزية كل الرزية ما ابتلي به القبوريون من أهل هذا الزمان. فإنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام، إلا فعلوه بالقبور. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
بل كثير منهم، إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه، حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك. أو بمعتقدك الوليّ الفلاني تلكأ وأبى واعترف بالحق.
وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: (ثالث ثلاثة) فيا علماء الدين! ويا ملوك المسلمين! أيّ رزء للإسلام أشد من الكفر؟ وأيّ بلاء لهذا الدين أضرّ عليه من عبادة غير الله؟ وأيّ مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه؟ وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البيّن واجبا؟ فاللهم! انصر من نصر الحق واهدنا إلى سواء السبيل. انتهى.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (17) : الآيات 76 الى 77]
وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (77)
وَإِنْ كادُوا أي أهل مكة لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ أي ليزعجونك بمعاداتهم من مكة لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ أي ولو خرجت لا يبقون بعد خروجك إِلَّا قَلِيلًا أي زمانا قليلا سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا يعني أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم، فسنة الله أن يهلكهم. ونصبت نصب المصدر المؤكد. أي سنّ الله ذلك سنة وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا أي تغييرا. ولا يخفى أن المراد بعدم لبثهم، إهلاكهم. سواء كان بالاستئصال، أو لا. قال ابن كثير:
وكذلك وقع. فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن بين هجرته من بين أظهرهم، بعد ما اشتد أذاهم له، إلا سنة ونصف، حتى جمعهم الله وإياه ببدر على غير ميعاد. فأمكنه منهم، وسلطه عليهم، وأظفره بهم. فقتل أشرافهم وسبى سراتهم. ولهذا قال تعالى: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا أي هكذا عادتنا في الذين كفروا برسلنا وآذوهم. يخرج الرسول من بين أظهرهم ويأتيهم العذاب. ولولا أنه صلى الله عليه وسلم رسول الرحمة، لجاءهم من النقم في الدنيا ما لا قبل لأحد به. كما قال تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال: 33] .

الصفحة 482