كتاب تفسير القاسمي = محاسن التأويل (اسم الجزء: 6)

خفت الصبح فأوتر بركعة
. وإذا قيل: نصف النهار فالمراد به النهار المبتدئ من طلوع الشمس. فهذا في هذا الموضوع، ولفظ (النهار) يراد به من طلوع الفجر، ويراد به من طلوع الشمس. لكن قوله: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ أريد به من طلوع الفجر بلا ريب، لأن ما بعد طلوع الشمس ليس على المسلمين فيه صلاة واجبة، بل ولا مستحبة. بل الصلاة في أول الطلوع منهيّ عنها حتى ترتفع الشمس. وهل تستحب الصلاة لوقت الضحى أو لا تستحب إلا لأمر عارض؟ فيه نزاع ليس هذا موضعه. فعلم أنه أراد بالطرف الأول من طلوع الفجر. وأما الطرف الثاني فمن الزوال إلى الغروب.
فجعل الصلاة في هذا الوقت صلاة في الطرف الثاني وأشرك بينهما فيه. ثم قال:
وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ فأجمل الغرب والعشاء في (زلف من الليل) . وهو ساعات من الليل. فالمواقيت هنا ثلاثة.
وقال تعالى: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ [النور: 58] ، فذكر الفجر وذكر الظهر وذكر صلاة العشاء. فمن الظهيرة إلى ما بعد صلاة العشاء وقتان للصلاة. وقد ذكر الأول من هذا الوقت والآخر من هذا الوقت. وقد دل على المواقيت في آيات أخر كقوله تعالى: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم: 17- 18] ، فتبين أن له التسبيح والحمد في السموات والأرض، حين المساء وحين الصباح وعشيّا وحين الإظهار. فالمساء يتناول المغرب والعشاء، والصباح يتناول الفجر، والعشيّ يتناول العصر، والإظهار يتناول الظهر.
وقال تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها، وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى [طه: 130] ، وفي الآية الأخرى: قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ حق: [39- 40] ، فقبل طلوع الشمس هي صلاة الفجر. وقبل غروبها هي العصر، وبذلك فسّرها النبيّ صلى الله عليه وسلم
في الحديث «1»
المتفق على صحته عن جرير بن عبد الله قال كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر. فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل
__________
(1) أخرجه البخاريّ في: مواقيت الصلاة، 16- باب فضل صلاة العصر، حديث 358.
وأخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث 211.

الصفحة 485