كتاب تفسير القاسمي = محاسن التأويل (اسم الجزء: 6)

لها نظيرا، عسر عليهم التعبير عن حقيقتها. وهذا تنبيه لهم على رب العالمين، حيث لم يعرفوا حقيقته، ولا تصوروا كيف هو سبحانه وتعالى. وإن ما يضاف إليه من صفاته هو على ما يليق به جل جلاله. فإن الروح، التي هي بعض عبيده، توصف بأنها تعرج إذا نام الإنسان. وتسجد تحت العرش. وهي مع هذا في بدن صاحبها لم تفارقه بالكلية. والإنسان. في نومه، يحس بتصرفات روحه تصرفات تؤثر في بدنه. فهذا الصعود الذي توصف به الروح لا يماثل صعود المشهودات. فإنها إذا صعدت إلى مكان فارقت الأول بالكلية. وحركتها إلى العلوّ حركة انتقال من مكان. وحركة الروح بعروجها وسجودها ليس كذلك. انتهى.

فصل
وكتب بعض المنقبين عن مباحث المدققين العصريين في الروح ما مثاله: إن نظرية الروحيين التي يستدلون عليها في أوربا بالحسّ في هذه الأيام، هي أن للإنسان روحا هبطت عليه من الملأ الأعلى. لا يصل العقل إلى إدراك كنهها. وإنها متصلة بهذا الجسد الطينيّ، بواسطة هيكل لطيف شفاف على شكل الجسد تماما. ولكنه ليس من طبيعته ولا محكوما بقوانينه. وإنه كغلاف للسرّ الإلهي المسمى روحا.
ولعل في هذا ما يشبه قول الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه عن الروح (هي صورة كالجسد) ويقولون: إن الروح وغلافها هذا يخرجان من الجسد عند حصول الموت للشخص، إلى عالم غير هذا العالم. ولكنهما لا ينفصلان عنه كل الانفصال، بل أرواح الموتى منتشرة حولنا في كل جهة. ولكنا لا نراها بأعيننا، لعدم استعداد أعيننا لذلك. كما أنها ليست مستعدة لرؤية أشعة (رونتجن) مع أنها موجودة كما تدل عليه الآية التي صنعها له. وقد دخلت تطبيقاتها في علم الطب وأفادت العلم الطبيعيّ فائدة كبرى. ولكن يوجد أشخاص فيهم استعداد خاص به يرون الأرواح رائحة غادية، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، رؤية حقيقية. انتهى. ملخصا.

تنبيه:
جميع ما قدمناه، بناء على أن المراد بالروح في الآية روح الإنسان.
قال ابن القيم في كتاب (الروح) : وفي ذلك خلاف بين السلف والخلف.
وأكثر السلف، بل كلهم، على أن الروح المسؤول عنها في الآية ليست أرواح بني آدم. بل هو الروح الذي أخبر الله عنه في كتابه، أنه يقوم يوم القيامة مع الملائكة،

الصفحة 507