كتاب تفسير القاسمي = محاسن التأويل (اسم الجزء: 6)

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (17) : آية 101]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (101)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ واضحات الدلالة على صحة ما أرسله الله به. وقد مضى الكلام عليها في سورة الأعراف في قوله تعالى فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ.. الآية، فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ أي عنها: فإنهم يعلمونها، مما لديهم من التوراة. فيظهر للمشركين صدقك، ويزداد المؤمن بك طمأنينة قلب. لأن الأدلة إذا تظاهرت، كان ذلك أقوى وأثبت إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً أي فذهب إلى فرعون وأظهر آياته، ودعاه للإيمان به تعالى ولإرسال بني إسرائيل معه. فقال له فرعون ما قال. وقوله مَسْحُوراً بمعنى سحرت فخولط عقلك. أو بمعنى ساحر، على النسب أو حقيقة. وهو يناسب قلب العصا ثعبانا.
وعلى الأول هو كقوله إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ [الشعراء: 27] .

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (17) : آية 102]
قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (102)
قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ أي يا فرعون ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ أي الآيات التسع إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ أي بيّنات مكشوفات لا سحر ولا تخيّل. ولكنك معاند مكابر. ونحوه وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا [النمل: 14] ، (والبصائر) جمع بصيرة بمعنى مبصرة أي بيّنة. أو المراد الحجج، بجعلها كأنها بصائر العقول. وتكون بمعنى عبرة وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً أي هالكا.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (17) : الآيات 103 الى 104]
فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (103) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (104)
فَأَرادَ أي فرعون أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ أي يفزعهم ويزعجهم بما يحملهم على خفة الهرب فرقا منه. أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال.
والضمير لموسى وقومه. و (الأرض) أرض مصر. أو الأرض التي أذن لهم بالمسير

الصفحة 519