كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 6)

فَصْلُ
يجب على المعتدة ملازمة البيت، ولا يجوز لها الخروج لغير ضرورة أو حاجة، وإن أذن لها الزوج في الخروج؛ لما فيه من حق الله تعالى.
ولو أرادت الخروج-: للزوج منعها؛ صيانة لمائه، وإن كان [الزوج] ميتاً-: فلورثته منعها عن الخروج؛ لأنهم يقومون مقام الزوج في حفظ النسب ودفع السكنى، فلو خرجت لغير حاجة-: عصت، ولكن لا يمتنع انقضاء عدتها، فإن اضطرت إلى الخروج بأن خافت هدماً أو حريقاً أو غرقاً-: فلها أن تخرج؛ سواء كانت العدة عن طلاق أو وفاة، وكذلك: لو كانت تتأذى من الجيران، ولم تكن الدار حصينة-: فلها الانتقال عنها.
وإن كانت بها حاجة من شراء طعام، أو بيع غزل، أو شراء قطن أو نحو ذلك: نظر: إن كانت رجعية-: فليس لها الخروج؛ لأن على الزوج كفايتها، وإن كانت بائنة-: فلا يجوز لها الخروج بالليل؛ لأن الليل زمان السكون لا زمان الاكتساب، فأما بالنهار-: فيجوز في عدة الوفاة؛ لما روي عن مجاهد؛ أن رجالاً استشهدوا بأحد، فقالت نساءهم: يا رسول الله، إنا نستوحش في بيوتنا، فنبيت عند إحدانا، فأذن لهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يتحدثن عند إحداهن، فإذا كانت وقت النوم تأتي كل امرأة إلى بيتها.
أما في عدة البينونة-: هل يجوز لها الخروج بالنهار للحاجة؟ فيه قولان:
قال في القديم: لا يجوز؛ لقوله تعالى: {وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1].
وقال في الجديد- وهو الأصح-: يجوزُ؛ لَمَا رُوِيَ عَنْ جابر قَالَ: طُلِّقَتْ خَالَتِي ثَلاَثاً، فَخَرَجَتْ تَجُدُّ نَخْلاً، فَنَهَاهَا رَجُلُ، فَأَتَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرتْ لَهُ، فَقَالَ: "اخْرُجِي فَجُدِّي نَخْلَكِ، لَعَلَّكِ أَنْ تُصْدَقِي مِنْهُ، أَوْ أَنْ تَفْعِلِي خَيْراً".
ولأنها معتدة بائنة؛ فجاز لها الخروج بالنهار للحاجة؛ كالمتوفى عنها زوجها، إن وجب عليها حق- نظر: إن أمكن استيفاؤه في منزلها-: لا تخرج، وإن كان حداً-: توجه عليها، أو توجه عليها يمين في دعوى، فإن كانت برزة-: تخرج ويقام عليها الحد،

الصفحة 255