كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 6)

وإن كانت قليلة؛ فعلى هذا: إذا شرب بعضه-: هل يعد رضعة؟ فيه وجهان:
أحدهما: يعد رضعة؛ كما في النجاسة يستوي بعضه وكله.
والثاني- وهو الأصح-: ما لم تشرب الكل لا يعد رضعة؛ لاحتمال أن يكون اللبن فيما بقي.
ولبن البهيمة لا يجوب التحريم؛ لأن الرضاع فرع النسب، ولا نسب في البهائم.
ولو حلب لبن امرأة، ثم أوجر صبي بعد موتها-: تثبت به الحرمة؛ لأن اللبن انفصل عنها، ولها حرمة.
أما إذا حلب لبنها بعد موتها، وأوجر الصبي، أو ارتضع الصبي من ثديها بعد موتها-: فلا يثبت به التحريم.
وعند أبي حنيفة: يثبت؛ كما لو مات صاحب اللبن، وأرضعت امرأته بلبنه صبياً بعد موته-: ثبت التحريم بينه وبين الميت.
قلنا: الأصل في الرضاع الأم، ومنها تنتشر الحرمة، وترتفع تلك الحرمة بموتها؛ كما أن وطء الميتة وتقبيلها [لا يثبت حرمة المصاهرة، وبالاتفاق: لو صب لبن امرأة في حلق صبي ميت] لا يثبت التحريم.
ولو نزل لرجل لبن، فأرضع به صبياً-: لا يثبت التحريم؛ لأن اللبن من أثر الولادة، والولادة تختص بالنساء، وما يخرج من الرجل بمنزلة عرق يسيل منه.
وإذا نزل للمرأة البكر لبن، فأرضعت به صبياً-: ثبت التحريم؛ لأنها محل الولادة.
ولو نزل للصبية لبن، فأرضعت ولداً- نظر: إن كان بعد استكمال تسع سنين-: يثبت به حرمة الرضاع، ولا يحكم ببلوغها؛ لأن الرضاع تلو النسب، فثبت بالإمكان.
وإن كان قبل استكمال تسع سنين-: لا تثبت الحرمة.
والخنثى المشكل إذا نزل له لبن لا يحكم بكونه أنثى بنزول اللبن-: فإذا أرضع به صبياً- توقف حكم الرضيع على تبين حال الخنثى بعلامة أو اختيار.
فإن اختار الذكورة-: لم يثبت التحريم، وإن اختار الأنوثة-: يثبت، فإذا اختار أحدهما-: لم يكن له أن يرجع عنه إلا أن يختار الذكورة، ثم ظهر بها حمل-: يتبين أنه أنثى، وتثبت حرمة الرضاع.

الصفحة 303