كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 6)

فافتخر بالرضاع؛ كما افتخر بالنسب.
فإن قلنا: يكون ابناً لهما-: فلا يجوز له أن ينكح انة واحد منهما.
وإن قلنا: لا يكون ابناً لهما، وأثبتنا للرضيع الانتساب-: فهل يجبر عليه؟ اختلف أصحابنا فيه:
منهم من قال: يجبر عليه؛ كالمولود.
ومنهم من قال- وهو المذهب-: لا يجبر عليه؛ بخلاف المولود: لأن النسب يثبت حقوقاً له وعليه؛ من النفقة، والميراث، والشهادة، وغيرها، والرضاع لا يتعلق به إلا تحريم النكاح، ويمكنه الامتناع عن ذلك؛ ولذلك تثبت أبوة الرضاع من جماعة، ولا يثبت النسب إلا من واحد، فإذا خيرناه، فانتسب إلى أحدهما-: كان ابنه من الرضاع، ولا يكون محرماً لبنت الآخر، والاحتياط والورع: ألا ينكحها، فلو نكح-: لم يبطل.
وإن قلنا: ليس له الانتساب، أو لم ينتسب-: فهل له أن يتزوج ابنة واحد منهما؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها- وهو الأصح- لا يحل له نكاح ابنة واحد منهما؛ لأنا تيقنا أن إحداهما أخته؛ فهو كما لو اختلطت أخته من النسب بأجنبية-: لا يحل له نكاح واحدة منهما.
والثاني: أنه يتزوج بنت من شاء منهما، فإذا تزوجها، حرمت الأخرى عليه؛ لأن الأخوة مشتبهة فيهما، فإذا تزوج إحداهما-: تعينت الأخوة في الأخرى، فحرم نكاحها على التأبيد؛ كما لو اشتبه عليه ماء طاهر وماء نجس، فتوضأ بأحدهما باجتهاده، تعينت النجاسة في الآخر؛ فلا يجوز له أن يتوضأ به.
والثالث: له أن يتزوج بنت أيهما شاء، وإذا طلقها-: له أن ينكح الأخرى؛ لأن التحريم غير متعين في واحدة؛ كما يصلي بالاجتهاد إلى جهة، ثم يصلي صلاة أخرى باجتهاد آخر إلى جهة أخرى، ولا يجوز أن يجمع بينهما؛ لأن الحظر يتحقق في الجمع؛ كرجلين رأيا طائراً، فقال أحدهما: إن كان هذا غراباً، فعبدي حر، وقال الآخر: إن لم يكن غراباً، فعبدي حر، ولم يتبين لهما، فلكل واحد منهما أن يبني على يقين نفسه، ويتمسك بملكه، فإذا اجتمع العبدان في ملك واحد منهما-: يحكم بعتق أحدهما.

الصفحة 311