كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 6)

فَصْلُ
قال الله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6].
إذا أتت المرأة بولد في نكاح-: لا يجب على الأم إرضاع الولد إلا اللبأ؛ لأن الولد لا يعيش بدونه، ولا يغني من غيرها، بل على الأب أن يستأجر امرأة لإرضاع الولد، إلا ألا توجد مرضعة؛ فيجب عليها الإرضاع.
وقال أبو ثور: تجبر المرأة على إرضاع الولد.
وقال مالك- رحمة الله عليه-: إن كانت المرأة دنيئة-: يجب عليها الإرضاع، وإن كانت شريفة- لا يجب.
قلنا: أجمعنا على أنه إذا طلقها-: لم يملك إجبارها على إرضاع الولد، وكذلك: في حال بقاء النكاح؛ فإن رغبت المرأة في الإرضاع-: فعلى الزوج تمكينها من ذلك، ولم يكن له أن ينزع الولد منها إلى غيرها؛ لأن الولد يستمرئ لبن أمه، وينتفع به أكثر من انتفاعه بلبن غيرها.
وقيل: له منعها منه، وتسليمه إلى غيرها، كما يمنعها من أن تؤاجر نفسها؛ لإرضاع ولد الغير؛ لأنه يستحق الاستمتاع بها في جميع الأوقات، إلا في وقت العبادة؛ فلا يجوز لها تفويته عليه بالرضاع.
وإذا رضيا بإرضاعه، هل يزاد في نفقتها المقدرة بسبب الإرضاع والحضانة؟ فيه وجهان:
أحدهما: قاله أبو إسحاق-: يزاد؛ لأنها تحتاج في حال الرضاع إلى أكثر مما تحتاج إليه في غيره.
والثاني: وهو الأصح، وعليه أكثر الأصحاب-: لا يزاد؛ لأن قدر النفقة يعتبر بحال الزوج لا بحالها؛ كما لا يزاد بسبب كونها أكولة.
وإذا رغبت المرأة في الإرضاع، وطلبت الأجرة عليه-: يجب على الزوج أجرتها، ويجوز للزوج استئجارها على إرضاع الولد؛ وكذلك: على مهن البيت من الكنس والطبخ ونحوهما.
وقال أبو حامد: لا يجوز لها أخذ الأجرة على الإرضاع في حال بقاء النكاح؛ لأن أوقات الرضاع مستحقة للزوج للاستمتاع، وقد استحقت في مقابلتها عوضاً، وهي النفقة؛ فلا تستحق عوضاً آخر.
والمذهب هو الأول؛ كما يجوز لها طلب الأجرة بعد البينونة.

الصفحة 388