كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (اسم الجزء: 6)
كَانَ سِجْنُ الْحَجَّاجِ بِوَاسِطَ، إِنَّمَا هُوَ حَائِطٌ مَحُوطٌ، لَيْسَ فِيهِ مَآلٌ/ وَلا ظِلٌّ وَلا بيت [1] ، فإذا آوى المسجونون إِلَى الْجُدْرَانِ يَسْتَظِلُّونَ بِهَا رَمَتْهُمُ الْحَرَسُ بِالْحِجَارَةِ، وَكَانَ يُطْعِمُهُمْ خُبْزَ الشَّعِيرِ مَخْلُوطًا بِهِ الْمِلْحُ وَالرَّمَادُ، فَكَانَ لا يَلْبَثُ الرَّجُلُ فِيهِ إِلا يَسِيرًا حَتَّى يَسْوَدَّ فَيَصِيرَ كَأَنَّهُ زِنْجِيٌّ، فَحُبِسَ فِيهِ مَرَّةً غُلامٌ، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ تَتَعَرَّفُ خَبَرَهُ فَصِيحَ بِهِ لَهَا، فَلَمَّا رَأَتْهُ أَنْكَرَتْهُ وَقَالَتْ: لَيْسَ هَذَا ابْنِي، كَانَ ابْنِي أَشْقَرَ أَحْمَرَ وَهَذَا زِنْجِيٌّ، فَقَالَ لَهَا: أَنَا وَاللَّهِ يَا أماه ابنك، أنا فلان وَأُخْتِي فُلانَةُ وَأَبِي فُلانٌ، فَلَمَّا عَرَفَتْهُ شَهِقَتْ فَمَاتَتْ.
قَالَ: وَقَالَ الْحَجَّاجُ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ: كَمْ قَدْ قَتَلْنَا فِي الظَّنَّةِ؟ قَالَ: ثمانين ألفا [2] .
قال: وحرج مِنْ سِجْنِهِ يَوْمَ مَاتَ الْحَجَّاجُ مَا مِنْهُمْ مَنْ حَلَّ مِنْ قَيْدٍ وَلا غَيَّرَ حَالا إِلا فِي بَلَدِهِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ.
أَخْبَرَنَا عبد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن ناصر، قالا: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ القاضي، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد بْن سويد، قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حدثنا أحمد بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الدينَوَريّ، قَالا:
مَرِضَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ مَرَضًا أَشْرَفَ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَبَلَغَهُ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ يَرْجِعُونَ بِمَوْتِهِ، فَلَمَّا بريء صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، يَا أَهْلَ الشِّقَاقِ والنفاق ومساوىء الأَخْلاقِ، قَدْ نَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي مَعَاطِسِكُمْ-[3] أَوْ قَالَ:
مَنَاخِرِكُمْ [4]- زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحَجَّاجَ قَدْ مَاتَ، فَإِنْ مَاتَ الْحَجَّاجُ فَمَهْ، وَاللَّهِ مَا يَسُرُّنِي أَنِّي لا أَمُوتُ وَمَا أَرْجُو الْخَيْرَ كُلَّهُ إِلا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى الْخُلُودَ لأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ إِلا لأَهْوَنِهِمْ عَلَيْهِ إبليس، ولقد سَأَلَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ رَبَّهُ فَقَالَ: رَبِّ [اغْفِرْ لِي] وَهَبْ لِي مُلْكاً 38: 35
__________
[1] في ت: «ليس فيه سقف ولا بيت» .
[2] هذه الروآية ساقطة من ت.
[3] في ت: «مناخركم» .
[4] أو قال مناخركم» : ساقطة من ت.
الصفحة 342
348