كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 6)

ليشمل أحد نوعيه فقط وهو الجدال بالباطل كما يجيء في قوله وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ثم عقب الكلام بقوله فَلا يَغْرُرْكَ ليعلم أن جدالهم الصادر عن البطر والأشر والجاه والخدم لا اعتبار به وكذا تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ للتجارات والمكاسب فإن قريشا كانت أصحاب أموال متجرين إلى الشام واليمن مترفين بأموالهم مستكبرين عن قبول الحق لذلك. ثم مثل حالهم بحال الأمم السالفة الذين تحزبوا على الرسل وكادوا يقتلونهم فأهلكهم الله ودمرهم ونجى الرسل. ثم بين بقوله وَكَذلِكَ حَقَّتْ أنهم في الآخرة أيضا معذبون. وقوله أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ بدل من كَلِمَةُ رَبِّكَ أي مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة كونهم في الآخرة من أصحاب النار. وجوّز جار الله أن يكون أَنَّهُمْ في محل النصب بحذف لام التعليل وإيصال الفعل. وقوله الَّذِينَ كَفَرُوا قريش أي كما وجب إهلاك أولئك الأمم كذلك وجب إهلاك هؤلاء لأن العلة الجامعة وهي أنهم أصحاب النار واحدة في الفريقين. ومن قرأ كلمات على الجمع أراد بها علم الله السابق أو معلوماته التي لا نهاية لها، أو الآيات الواردة في وعيد الكفار.
وحين بين أن الكفار بالغوا في إظهار عداوة المؤمنين حكى أن أشرف طبقات أكثر المخلوقات وهم حملة العرش، والحافون حوله يبالغون في محبتهم ونصرتهم كأنه قيل:
إن كان هؤلاء الأراذل يعادونهم فلا تبال بهم ولا تقم لهم وزنا فإن الأشراف يحابونهم.
روى صاحب الكشاف أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا تتفكروا في عظم ربكم ولكن تفكروا فيما خلق من الملائكة فإن خلقا من الملائكة يقال له إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الأرض السفلى وقد مرق رأسه من سبع سموات وإنه ليتضاءل من عظمة الله حتى يصير كأنه الوصع وهو طائر صغير شبه العصفور»
وروى أن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائر الملائكة.
وقيل: خلق الله العرش من جوهرة خضراء وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام، وعدد حملة العرش يوم القيامة ثمانية لقوله عز وجل وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ [الحاقّة: 17] أما في غير ذلك الوقت فلا يعلم به إلا الله. أما الذين حول العرش فقيل: سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون مهللين مكبرين ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام قد وضعوا أيديهم على عواتقهم رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير، ومن ورائهم مائة ألف صف قد وضعوا الأيمان على الشمائل ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر. وهذه الآثار كلها منقولة من كتاب

الصفحة 22