كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 10
ولما ثبت بهذا الخلق العظيم على هذا الوجه المحكم عزته وحكمته ، ثبتت ألوهيته فألزمهم وجوب توحيده في العبادة كما توحد بالخلق ، لأن ذلك عين الحكمة ، كما كان خلقه لهذا الخلق على هذا النظام ليدل عليه سبحانه سر الحكمة ، فقال ملقناً للمحسنين من حزبه ما ينبهون به المخالفين موبخاً لهم مقبحاً لحالهم في عدو لهم عنه مع علمهم بما له من التفرد بهذه الصنائع : ( هذا ) أي الذي تشاهدونه كله ) خلق الله ) أي الذي له جميع العظمة فلا كفوء له .
ولما كان العاقل بل وغيره لا ينقاد لشيء إلا أن رأى له فعلاً يوجب الانقياد له ، نبه على ذلك بقوله جواباً لما تقديره : فإن ادعيتم لما دونه مما عبدتموه من دونه خلقاً عبدتموه لأجله : ( فأروني ماذا خلق الذين ( زاد اسم الإشارة زيادة في التقريع بتأكيد النفي المقصود من الكلام ، ونبه على سفول رتبتهم بقوله مضمراً لأنه ليس فيما أسند إلى الاسم الأعظم حيثية يخشى من التقييد بها نقص : ( من دونه ( فسأله في رؤية ما خلقوا غبنه أحد أصلاً بأن انقدتم لما لا ينقاد له حيوان فضلاً عن إنسان بكونه لا فعل له أصلاً ، فكان من حقكم - إن كانت لكم عقول - أن تبحثوا اولاً هل لهم أفعال أم لا ؟ ثم إذا ثبت فهل هي محكمة أم لا ، ثم إذا ثبت فهل مشاركهم غيرهم أم لا ، وإذا ثبت أن لهم افعالاً ترجونهم بها تخشونهم ، فهذا ما لا يتصوره حيوان أصلاً ، ولذلك قال تعالى : ( بل ( منبهاً على أن الجواب : ليس لهم خلق ، بل عبدتهم أو أنتم في جعلهم شركاء ، هكذا كان الأصل ، ولكنه قال : ( الظالمون ) أي العريقون في الظلم ، تعميماً وتنبيهاً على الوصف الذي أوجب لهم كونهم ) في ظلال ( عظيم جداً محيط بهم ) مبين ) أي في غاية الوضوح ، وهو كونهم يضعون الأشياء عنهم بجبال الهوى فلا حكمة لهم .
ولما ثيتت حكمته سبحانه وأنه أبعدهم عنها بما قضى عليهم من الجهل وغباوة العقل وآتاها من تاب ، واعتصم بآيات الكتاب ، توقع السامع الإخبار عن بعض من آتاه الحكمة من المتقدمين الذين كانوا من المحسنين ، فوضعوا الأشياء في مواضعها بأن آمنوا على قوله : ( وهو العزيز الحكيم ) ) أو على مقدر تقديره : لأنا أضللناهم بحكمتنا وآتينا الحكمة الذين قبلوا آياتنا وأحسنوا التعبد لنا فما عبدوا صمناً ولا مالوا إلى لهو ، لأن ذلك عين الحكمة لكونه وضعاً للشيء في محله ، فهو تقدير لتخصيص النبي ( ص ) .

الصفحة 10