كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 11
بالرسالة : ( ولقد آتينا ( بما لنا من العظمة والحكمة ) لقمان ( وهو عبد من عبيدنا ) الحكمة ( وهو العلم المؤيد بالعمل والعمل المحكم بالعلم ، وقال الحرالي : هي العلم بالأمر الذي لأجله وجب الحكم ، والحكم الحمل على جميع أنواع الصبر والمصابرة ظاهراً بالإيالة العالية ، ولا يتم الحكم وتستوي الحكمة إلا بحسب سعة العلم ، وقال ابن ميلق : إن مدارها على إصابة الحق والصواب في القول والعمل ، ولهذا قال ابن قتيبة : لا يقال لشخص حكيماً حتى تجتمع له الحكمة في القول والفعل ، قال : ولا يسمى المتكلم بالحكمة حكيماً حتى يكون عاملاً بها - انتهى .
ومن بليغ حكمته ما أسنده صاحب الفردوس عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي ( ص ) قال : ( حقاً أقول لم يكن لقمان نبياً ، ولكن كان عبدا ضمضامة كثير التفكر حسن اليقين ، أحب الله فأحبه ، فمنّ عليه بالحكمة ، كان نائماً نصف النهار إذ جاءه نداء ، قيل : يا لقمان ، هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحق ، فأجاب : إن خيرني ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء ، وإن عزم عليّ فسمعاً وطاعة ، فإني أعلم أنه أن فعل ذلك ربي عصمني وأعانني ، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم : لم يا لقمان ؟ قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها ، يغشاه الظلم من كل مكان ، إذ يعدل فبالحري أن ينجو ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة ، ومن يكن في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفاً ، ومن تخير الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا ولا يصيب الآخرة ، فعجبت الملائكة من حسن منطقته ، فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه يتكلم بها ) .
وفي الفردوس عن مكارم الأخلاق لأبي بكر بن لال عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( الحكمة عشرة اجزاء تسعة منها في العزلة وواحد في الصمت ) وقال لقمان : لا مال كصحة ولا نعيم كطيب نفس ، وقال : ضرب الوالد لولده كالسماء للزرع ، وقيل له : أيّ الناس شر ؟ قال : الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئاً ، وقيل له : ما أقبح وجهك فقال : تعيب النقش أو النقاش ، وقال البغوي : إنه قيل له : لم بلغت ما بلغت ؟ قال : بصدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني - انتهى .
فهو سبحانه من حكمته وحكمه أن يرفع ما يشاء بما يعلمه منه سلامه الطبع وإن كان عبداً فلا يدع أن يختص محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ذا النسب العالي والمنصب المنيف في كل خلق شريف بالرسالة من بين قريش وإن لم يكن من أهل الدنيا المتعظمين بها ،

الصفحة 11